* يا ذا الجلال ويا ذا الجود والكرم يا ذا النوال وذا الإحسان والنعم أنت المليك لكل الخلق قاطبة أنت الإله ورب البيت والحرم إن الملوك إذا شابت عبيدهم منوا بعتقهم فضلًا وبالكرم والعبد شاب وقد شبت جرائمه ولم يزل في ازدياد من صدا اللمم والران ران وقد عمت قبائحه جوانحًا وجميع الروح والجسم والوقت ضاق وولى العمر في سفه والموت حان وحل العجز بالسقم فاعتق من الذنب وامنن بالمتاب له واعتق من النار والأهوال والنقم وخذ زمام فؤاد للرشاد وكن يا سيدي معه في كل مصطلم مالي سواك وأنت القصد ملجؤنا فارحم وجد وتكرم أنت ذو الكرم. * بهذه الأبيات ذات المعاني العميقة التي صاغها السيد المحجوب رضوان الله عليه، ودع الناس جدنا حسن عبد الرحمن الفيل، نسمة قرية فقيرنكتي، الذي رحل عن دنيانا الفانية عشية الاثنين الماضية. * وعندما نتعرض لشخصية ليست معروفة للكافة، نتناولها من باب الأصول والقدوة الحسنة التي توجد غالبًا في مثل هذه الشخصيات البسيطة التي لا هم لها بكثير مما يشغل الناس من هوس الدنيا. * كان حسن عبد الرحمن الفيل، حسن الخصال، حسن الطباع ،حسن المقال، حسن الاستقبال ،حسن العشرة وحسن الأخلاق، فنسأل الله له الرحمة والغفران. * كاذب من يقول أنه لم يسمع طرفة أو قصة أو موقف مضحك من حسن عبد الرحمن الفيل، وكاذب من يقول أنه كان ذو خصوصية أو خيار وفقوس بين الناس. * كان يضاحك الطفل الرضيع والصبي العنيد والشاب النضير، والشيخ الكبير، والمرأة والشابة والفتاة بلا استثناء، ما كان ينظر لهذا عظيم وهذا وضيع هذا قريب أو هذا بعيد، كل الخلق عنده سواء. * يقابل الكافة كالنسمة الباردة في عز الصيف، فحديثه بحساب ودقة يحترم جدًا مشاعر الآخرين يخشى جدًا أن يجرح أي كائن من كان، يتحدث بلطف وبحب. * تمور القرى بالمشاكل المختلفة وتدخل المشاحنات الدور وتلحبط معظم البيوت، ولكن حسن عبد الرحمن الفيل كان منها براء، له فكر وله رأي، ولكنه لا يفرضه البتة على المخالفين، وإن قاله لا يصر عليه ليتبناه الناس، الأمر الذي جعله محايدًا لم يلمه أحد قط ولم يخاصمه أحد قط في أمر عام أبدًا أبدًا. * كان حسن مزارعًا في مشروع الكلد وكان في البساتين الحكومية، ما جعله خبير زراعيًا وإن لم يكن يحمل شهادات دراسية حتى على أدنى مستوى تعليمي، ولكنه يفقه زراعيًا أكثر بروف في الزراعة بكل تأكيد ويقين. * ما كان حسن يخفي أنه لم يتعلم، فكثير عندما يتحدث عن أي معلومة أو موضوع يسبقه بقولة شبه دائمة فيقول، (نحن طبعًا ما قرينا ولا اتعلمنا في المدارس، لكن عرفنا من كذا وكذا أو من فلان وفلان). * وكان من قراء القرآن ومن مرددي النور البراق، وعندما وافته المنية كان آخر ما قرأه هو القرآن الذي اعتاد أن يتلو منه جزءًا كل صباح، وكتاب الأوراد النبوية على وجهه الجميل. * حضرت مراسم وفيات كثيرة هناك في بلديتي فقيرنكتي في قلب الشمال، ولكن لفت نظري ذلك الجمع الغفير الذي حضر لتشييع الفقد الجلل، وتلك الدموع المدرارة التي قطرت من المآقي الصادقة. * كان من أهم المحطات عندي عندما أزور الشمالية، فعنده أجد الاحتفاء والنقاش الهادي الراقي، ومنه أسمع القصص قديمها وجديدها، فهو عندي محطة مهمة في حياتي، فنسأل الله له الرحمة والمغفرة. * كانت له محاولات شعرية كحال بعض أهل الذكاء والفكرة، وكان يحب الاستماع للراديو وتناول الأخبار العامة، وكان يحب الهلال ويعشقه بصدق وجد. * وخير ما نهديه لحسن عبد الرحمن في هذا الموقف هذا الدعاء، الذي كثيرًا ما أنشده على قبور الراحلين، فنسأل الله القبول والرحمة والمغفرة له: * عليك اعتمادي دائمًا كل لحظة بدنياي في الرخيا وفي كل شدة وعند حتوفي أرتجيك لموتتي لتحضرني تختم لي بالحسن ختمة تقر بها عيني إذا الروح تؤخذ وتكرم تجهيزي أيا خير مكرما وتنزلني في القبر تحضر عندما يجيئنا نكير منكر يسألان ما أقول تلقني لحجة كيف ينجيني تفعله فكن لي بلا نبذ تكون أنيسي حين تذهب إخوتي وأبقى برمسي واحدا بيت وحدتي وقد خفت حيات عقارب زلتي أجرني من الأهوال في وسط حفرتي ووسع لي في قبري وكن لي منقذ وضع لي سريرا فيه يفرش سندسا وعبقه بالمسك الفخيم وأسسا لأرض له بالند فرشه أطلسا أيا المصطفى جد لي من الرمس نفسا علي ذنوبي كالجبال تحوذ وفي الحشر في ظل اللوا طه أحشرا وفي عالي الجنات أعطى المجاورا لقصرك ياملجاى مع سائر الورى وأشمل لأولادي وصحبي وزائرا عليك صلاة ليس تحصى وتنفذ *