هذه الأبيات الشهيرة التي يندب فيها الشاعر حظه العاثر دوماً حين يقول «إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه.. ثم قالوا لحفاة يوم ريح أجمعوه».. هذه الأبيات الشعرية الشهيرة ما سألت أحداً من أصدقائي عن قائلها إلا وأجابني دون تردد بأنه شاعرنا الكبير إدريس جماع. هذا ليس صحيحاً وقد ينسب البعض هذه الأبيات لشاعرية إدريس جماع المذهلة ربما لأنها تتوافق مع أجواء الحزن والأسى التي تلف أشعار جماع. قائل هذه الأبيات شاعر مصري أحببته وعشقت أشعاره منذ سنوات طوال اسمه عبد الحميد الديب ويلقبونه في مصر بالشاعر البائس وأحياناً بالصعلوك الساخر. عبد الحميد الديب كان سكيراً مدمناً للخمر والكوكايين، وكان فقيراً مدقع الفقر وبائساً مشرداً وهجّاءً ذا لسان يهابه الكل، ولكنه فوق ذلك كان يملك موهبة شعرية قلَّ أن يجود الزمان بمثلها.. موهبة للأسف أضاعتها الخمر والمخدرات وأهدرها البؤس والفقر. وعندما بلغ به الفقر والجوع منتهاه راح يبيع أشعاره بدراهم ضئيلة وأحياناً بكأس خمر ردئ أو جرعة مخدر لأنصاف الشعراء وعديمي الموهبة فنسبوها إليهم. وفي هؤلاء كتب عبد الحميد الديب يقول: يا أمّةً أنكرتني وهي عالمةٌ أن الكواكب من نوري وإشراقي بين النجومِ أناسٌ قد رفعتهم إلى السماء فسدوا باب أرزاقي وُلد عبد الحميد الديب في 1989م وارتحل عن الدنيا في 1943م وما بين الميلاد والرحيل عاش الشاعر طريداً محروماً يعاني الفاقة والجوع، ومما زاد في مرارة نفسه أنه لم يجد تعليلاً مقبولاً لإخفاقه في الحياة وبؤسه رغم ثقافته وموهبته الشعرية التي كان يؤمن بها، كذلك لم يجد أمامه سوى المغمورين والتافهين من أدعياء الأدب وقد تألق نجمهم ومنحتهم الحياة المال والجاه والسطوة، ولكنهم رغم ما بذل لهم الديب من شعره مقابل الملاليم، إلا أنهم راحوا يغتابونه ويعرّضون بفقره وبؤسه، فأنشد فيهم يقول: أعيش فيكم بلا أهلٍ ولا وطنٍ كعيش منتجع المعروف أفاق وليس لي من حبيب في ربوعكم إلا الحبيبين: أقلامي وأوراقي لم أدر ماذا طعمتم في موائدكم لحم الذبيحة، أم لحمي وأخلاقي ويوم مات الديب نعاه صديقه ورفيق دربه الشاعر الكبير كامل الشناوي فكتب يقول: «اليوم مات شاعر جاع وشبعت الكلاب، وتعرّى واكتست الأضرحة»... ذاك هو عبد الحميد الديب «وليس إدريس جماع» الذي نعى حظه العاثر حين قال: إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه ثم قالوا لحفاة يوم ريح أجمعوه