اللون الأخضر يكسو هامات الأشجار ذات السيقان الحمراء والأرض مكسوة بسندس أخضر العشب المبتل بالمطر وحبات الندى .الريح ترسل أنفاسها معطرةبأريج الأزهار ورائحة نوار الاشجار والنسيم المحمل بحبيبات الندي يداعب الوجوه الباسمة . ثمة سحابات يتهادين برفق ولطف يزين وجه السماء بتشكيلات رائعة من السحب والالوان .طيور تزقزق على الأغصان وأسراب أخرى تعبر السماء وتطرب بأجنحتها الفضاء المسكون بالجمال . (نعمة) تصنع الشاي الصباحي لزوجها وأطفالها والضحكة تمتد شمالا حتي مقرن النييلين مملوءة بالتسامح والحب من الحب أخرجت (نعمة) كل قواميس السياسة من داخل منزلها وأبدلتها بكراسات المعايشة اليومية والتواصل والتوادد والرحمة الذي جعل (إبراهيم الشمالي ) زوجا لها وهي الجنوبية المنحدرة من دينكا رمبيك . وبالحب صنع إبراهيم تاج زين به رأس نعمة مفضلا لها من بنات عمه لأنه لا يشك أبدا أن الأصل واحد من آدم وحواء وأن الجنس سوداني وما يهمه قول قبيلتي وعشيرتي المهم أن يتحد الناس برباط الوطن الواحد من نمولي الى حلفا ومن سواكن الى زالنجي . ومثلما لإبراهيم ونعمة قصة تروي فإن هنالك حكايات كثيرة منتشرة في مدن وأرياف السودان في سنار والقضارف وكسلا والأبيض ونيالا والفاشر وشندي وكريمة وربك ودنقلا وسواكن وبورتسودان وختاما أم درمان (كرش الفيل)حكايات ترويها البيوت والحارات والأزقة والأسواق حكايات عن هؤلاء السودانيين جنوبيين وشماليين اختاروا الوحدة والإندماج الأسري تلقائيا دون تدخل من أحد بل طبيعة التعامل الإنساني كونوا أسرا وعائلات تختلط فيها الدماء والسحنات فأخرجوا للحياة بنين وبنات شكلوا التلاقح والتمازج العرقي لأهل السودان في الجنوب والشمال من هذه الحكايات الكثيرة أختار بعض النماذج (أنجلينا) بنت الدينكا التي ولدت في الخرطوم درست كل مراحلها الدراسية منذ الروضة في الخرطوم ممتزجة مع إخواتها الشماليات محبوبة في الحي تشارك في كل مناسبات الحي تتكلم بفصاحة بنات الخرطوم ولم تنسَ رطانة الدينكا .في الجامعة تعرفت على (عادل) ابن الأبيض ومع تقدم الأيام وسنوات الدراسة زادت علاقة الشابين متانة وقوة وثبات. أنجلينا السمراء الفارعة والممتلئة بالجمال الروحي وصاحبة الوجه الصبوح ملأت حياةعادل بالحب قررالإثنان الارتباط مدى الحياة برباط الزواج المقدس ويخططان لبناء أسرة سعيدة .تخرج الإثنان وما زالا يؤثثان لبيت الزوجية وإن طال السفر . الحكاية الثالثة ل(جوزيف) الفتى الأبنوسي البسام والمهندم من أبناء الشلك يعمل جوزيف مع (زينب ) في شركة واحدة ساعات دوام العمل واللقاءات المشتركة وإنجازهما لبعض أعمال الشركة سويا خارج مكاتب الشركة وروح الزمالة خلق ترابط وشيئا فشيئا وجد الشابان أن كل منهما مكمل للآخر لم يهتما بفوارق القبيلة قررا أن يكملا مشوار الحياة معا زوجين على سنة الله جوزيف من أسرة مسيحية مسلمة نصف عدد أفراد عائلته مسيحي والنصف الآخر مسلم تعلم من خاله المسلم أن الدين من رب واحد ولأنه تأثر بالعيش مع خاله لسنوات فقد اعتنق الإسلام رغبة وعن قناعة لما وجده في الإسلام من قيم التسامح الكبيرة واحترام المسلمين للمسيح عيسي بن مريم رسول الله . أخته كرستين مسيحية تزوجها شمالي مسلم شجعته علي خطوة طلب يد زينب من أهلها .أهل زينب وافقوا علي تزويج إبنتهم عندما وجدوا أنها موافقة ومصرة عليه عندما تمت الخطبة أتى أهل جوزيف يحملون الهدايا وامتزجت الزغاريد بالأحضان ودموع الأحباب الذين وضعوا في قلوبهم وطنا واحدا لا تفصله السياسة . ومثل حكايات نعمة وإبراهيم وأنجلينا وعادل وجوزيف وزينب حكايات كثيرة في سوداننا ومن لم يتزوج فهو جار وصاحب وصديق ورفيق في العمل . علاقات الصداقة والجيرة في الحي وزمالة العمل ورفاق الدراسة والتساكن في مناطق التماس بين الرعاة والرعاة والمزارعين بين الجنوبيين والشماليين علاقات أزلية وتاريخية وإنسانية متجذرة في الأرض وفرعها في السماء يجب أن ننظر اليها من منظار الوحدة والسودان وطن لنا جميعا نتساوى فيه في الحقوق والواجبات. حكايات ناس سكنوا السودان لم يتخيلوا يوما ما أن يأتي من يصيح فيهم أن الجنوب سوف يصير كيانا آخر غير السودان ولم يتخيلوا يوما أن تختفي من مدن الشمال الفتيان السمر والفتيات السمراوات الرائعين ولم يتخيلوا أن تخلوا مدن الجنوب من سحنات (المندكورو)سكل منقة وان يختفي من مسرح الحياة في أسواق وأحياء ملكية جوبا وملكال وواو رائحة ونكهة الشمال . تخيل عزيزي كيف يكون شكل الخرطوم ومدن الشمال لو أن أحبابنا أهل الجنوب رحلوا وما تركوا خبر . كيف ستكون مناظر شوارع الخرطوم وهي خالية من (جون وتريزا وسيفيا وكنجوك وشول ) قطعا ستكون قاحلة ومتربة وكئيبة . وكيف سيكون شكل جوبا لو أن الذكريات الجميلة لأهل المدينة محتها السياسة عندما يسافر (عبد الغفار وطلحة ) وكل التجار الشماليين نحو الشمال في رحلة وداعية للجنوب وكيف ستكون أحياء الملكية في كل من جوبا وواو وملكال نكهة مدن الجنوب عندما تغادر كل الأسر الشمالية الجنوب في رحلة وداعية فراقية الى غير رجعة تخيل عزيزي القارئ لو أنك أردت زيارة صديق لك في الجنوب أوالشمال أو لك ارتباط عمل في الجنوب أو الشمال وطلب منك إبراز جواز سفرك أو الذهاب لسفارة الجنوب أو الشمال لأخذ الفيزا وتأشيرة الدخول تخيل عزيزي القارئ فقط لو حصل أنك مطلوب منك إقامة أو في يوم أتت سلطات الهجرة والجوازات في الجنوب أو الشمال تطلب منك المغادرة لانك استنفدت زمن الاقامة المصرح به لك تخيل كيف يكون شعورك وانت سوداني في الخرطوم او جوبا او نيالا او واو . عزيزي إن وجدت قلبك قد انقبض وأصابتك الحسرة وشعرت بالندم والخسارة والحزن فقط وانت تتخيل مرارة الفقد عندما تفقد جزء عزيزاً من وطنك. فقط عليك أن تدعم الوحدة بين الشمال والجنوب بالأقوال والأفعال عزيزي القارئ لو كنت جنوبيا او شماليا لو كنت مواطناً عادياً او سياسياً عليك التفكير الف مرة قبل ان تقطع هذه القلوب التي ائتلفت بالحب الإنساني وتواصلت بالمحبة في وطن واحد وفكر الف مرة ان الحديقة لا تكون جميلةالا إذا تنوعت فيها انواع الزهور والوانها فالحديقة من لون واحد من الزهور تصيب العين بالرتابة عزيزي القارئ إن كنت جنوبيا او شماليا لو لوجدت ان الحزن ملأ نفسك فكر معي كيف نعبر الجسر نحو الوحدة ولا نفكر في طول الطريق ولا وعورة المسلك فبالتسامح والود والحب والمصير المشترك والاعتراف بالآخر يمكننا ان نبني وطننا السودان دون ان ننقص منه شيئا ودون ان نضطر الى توزيعه وتشتيت العائلات فقط يكفي ان يرى كل منا الآخر بنظرة اكتشاف جديدة وان ما يجمعنا اكبر من ما يفرقنا وأن قواسم الاشتراك أكثرمن محطات الخلاف وفي النهاية لو صدقت النيات يمكن ان نحافظ على وطننا موحدا متحدا من نمولي الى حلفا ومن سواكن الى وادي صالح . ودمتم أحبائي دينكا وشلك ونوير وزاندي ولاتوكا ومنداري وكريج دمتم معنا بكل الحب متعايشين في وطن واحد اسمه السودان لا فرق بين الجنوب والشمال والسودان كله وطنكم فلماذا تفكرون في ترك الوطن الفسيح والنفوس لو اتطايبت الكل يعيش مستريح و(الفقراء اتقسموا النبقة ) كما يقول المثل السوداني . ولعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق إنها ليست نظرة تشاؤمية او النظر الى الوحدة من منظار رومانسي ولكن فقط رؤية من زاوية أخرى يجب علينا جنوبيون وشماليون النظر عبرها قبل ان يأتي يوم ننظر الى بعضنا.