إن قراءتنا لكتاب فرانسيس دينق عن والده دينق مجوك تكتسب أهميتها في أنه جعلنا نتعرف على الموروث الثقافي والاجتماعي والسياسي لدينكا نقوك بأبيى.. أبيى التي نريد لها أن تكون نموذجاً حياً لتعايش أعراق السودان المختلفة، بينما يفزع آخرون من أن تكون بؤرة لنزاع قادم.. شأنها شأن كشمير فى شبه القارة الهندية وكركوك في العراق. وحول تأثر الزعيم دينق مجوك بتداخل الثقافات والأديان في منطقة أبيى يقول المؤلف «لم يكن دينق مجوك يؤمن بتقاليد الدينكا، ولم يكن مسلماً وبالطبع لم يكن مسيحياً. ولكنه كان إلى حد ما خليطاً من كل هذه الأشياء.. بعض صفاته جعلته محبوباً من العرب بسبب تطابقها مع القيم الإسلامية وهو أمر مدهش من شخص لم يعتنق الإسلام، ففي مجتمع الدينكا التقليدي يتعاطى الجميع بمن فيهم الأطفال «المريسة» خاصة في المناسبات الموسمية مثل النفير للعمل الجماعي في المزارع ومناسبات الزواج، إلا أن دينق مجوك لم يكن يتعاطاها قط، وكان يقول إنها تحط من الكرامة واحترام الناس. ولم يكن دينق مجوك يأكل لحم اي حيوان لم يذبح على الطريقة الإسلامية ودائماً كان يأتي بمسلم «وعادة عربي» في منزله ليذبح له وفق الطقوس الإسلامية، وكان قوله في ذلك إنه لا يريد لضيوفه أن ينتابهم شك حول الطعام الذي يقدم لهم في منزله. وذهب دينق مجوك أبعد من ذلك، فقد كان يلازمه رجال دين من العرب والدينكا على السواء لتوفير الحماية الروحية، وكان يشرب «المحاية» كبركة، وأكثر من ذلك كان يؤدي طقوس الدينكا ويلبي متطلبات الدين التقليدي، كما كان أيضاً يحتفل بالمناسبات الإسلامية ولو من منظور اجتماعي». ويورد المؤلف على لسان شيخ العرب ابراهيم حسين «إن دينق مجوك كان يمسك العرب بيد والدينكا بالأخرى، وكان يحمي الدينكا والعرب على السواء، وكان يقودهما بحكمته» ، وبناءً على ما يقوله شيخ آخر هو عبد الله حمدين فإن بابو نمر هو الذي وجه العرب في البداية للنظر إلى دينق مجوك على أنه زعيمهم، إذ يقول «عندما أصبح دينق مجوك ناظراً قال بابو للعرب اذهبوا الى الجنوب فإن لكم ناظراً هناك مثلما لكم ناظر هنا». كذلك يورد المؤلف نقلاً عن ابراهيم محمد زين، أن دينق مجوك التفت في اجتماع لمجلس المسيرية الريفي بعد أن انفصل عن النهود إلى زميله الناظر بابو نمر وقال: «أنا لا أريد ثروة ولا جاهاً، ولكني اعتبر بقائي في أبيى من أجل كل السودان، كى أكون مثل الخيط والإبرة التي تخيط شِقيّ الثوب السوداني في قطعة واحدة». «غداً نواصل».