(ألويل بول) شابة سودانية بدأت حياتها وهى لاجئة نزحت مع أسرتها الي كينيا، وكافحت حتى أصبحت اليوم كابتن طيار تقود أكبر الطائرات (بوينج 737) تجوب بها قارات العالم، فهى مفخرة للفتاة السودانية التي استطاعت أن تكسب خبرات كثيرة طوال حياتها وترحالها. صديقتها (ديانا البرتسون) التي ترعي ألويل وأسرتها دعتني لأكتب عنها، فهي ترى انها قصة تستحق مساحة وحبر يسكب، وأتفق معها أنا أيضاً «انها قصة أمريكية قديمة»، بول تعيش في أثيوبيا الآن وجاءت أمريكا لزيارة أخوتها الثلاث، فانتهزت هذه الفرصة لاتحدث اليها، ف (بول) فتاة سودانية ولكن قصتها تختلف عما قد تتوقع، فقد تكون شاهدت فيلم (الصبية التائهين) أو تكون قرأت أحد الكتب عن الاف الاطفال والشباب الذي تشردوا وتيتموا بسبب الحرب، فشقوا طريقهم للخروج من جنوب السودان في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر البرية. وجاءت (بول) الى الولاياتالمتحدة مع أسرتها، فوالدها كان يعمل قاضي محكمة استئناف، وترك السودان بعد انقلاب 1989م، وأمضي هو وأسرته عامين في كينيا قبل أن يتم قبول طلباتهم كلاجئين ويرحلوا الي أمريكا ويتوطنوا في رينتون عام 1991م. وفي التاسعة من عمرها رأت (بول) الثلوج لأول مرة في حياتها خلال فترة توقفها في نيويورك، حيث منزلها الأبيض الجديد المختلف وتنوع المنطقة في ذلك الحين. فتقول (بول): (لقد كان الأمر غريباً ولكن ليس أكثر غرابة من كينيا حيث كانت لاجئة هناك فالناس هنا يشبهونها الا أنهم يتحدثون لغة مختلفة). وأمضت أسرة بول شهراً مع الأسرة الراعية (البرتسون) فذكرت لي ديانا البرتسون أن والدة بول توفيت بعد فترة وجيزة نتيجة لاصابتها بمرض في الجهاز التنفسي. أما بول فتقول أن البرتسون أصبحت أمي ونشأت بالقرب منها، مضيفة بأن سنها الصغير جعلها تتكيف مع الحياة بصورة أسهل من بقية أخوتها ووالدها، الذي في نهاية المطاف حصل علي وضع مستقر بديلاً في مقاطعة (ليكود) حيث انتقلت العائلة ودرست بول المدارس المتوسطة والثانوية. والدها دخل امتحان نقابة المحامين تسع مرات الا أنه لم يوفق في النجاح وفي المرة الاخيرة تبقت له نقطة ونصف حتي يجتاز الامتحان فكان ذلك في عام 2004م، فظهرت في تلك الفترة مفاوضات السلام الجديدة ، لذلك قرر العودة الى الوطن للمساعدة في اعادة بناء النظام القضائي في الجنوب، واضافت هذا ما كان يريده طوال الوقت، فكان يقول لنا يجب أن تستخدموا ما تعلتموه هنا في إعادة بناء السودان يوماً ما، لقد كنت صغيرة عندما غادرت السودان، ولا أعرف عنه شيئاً. فالناس هنا يسألونني عن وطني وأنا لا أملك أى اجوبة، فكان أبي يحكي لي قصصا عن عائلتنا ومنزلنا وبعض الأشياء الشخصية. وعندما قررت العودة في النهاية، قالت ان الناس هناك احتضنوها وعلموها تاريخها واعطوها إحساساً جديداً، وكان يعني لها شيئاً جميلاً عندما صارت من ضمن عائلة يعود تاريخها أجيال الى الوراء. وتقول: (لقد شعرت بألم لعدم القدرة على القيام بذلك بنفسي وهو معرفة تاريخنا فذلك «يعزز روحك الخاصة» واضافت، من دون روح قوية لا تستطيع فعل شئ. فأنا أحب ان اكون في جنوب السودان، ولكن عندما أكون هنا افتقد واشنطن، لقد دفنت أمي هنا وسوف تكون دائماً هي بيتي الثاني، لقد تعلمت أن أكون هنا. قبل ذهابها الى افريقيا حاولت (بول ) أن تصبح نموذجاً يحتذي به عبر اظهار مواهبها وفي السادسة عشرة من عمرها قررت ان تعمل في عرض الازياء الا أنها لم تنجح، بالرغم من أنها حاولت في لندنونيويورك وغالباً عندما تقدم طلبها يقال لها : لدينا شخص مثلك. وغادرت الكلية من أجل تحقيق حلمها في أن تصبح طياراً يوماً ما، فمنذ أن كانت طفلة وهي تحلم بذلك وبالفعل كانت نقطة تحول رئيسية لها عندما قررت ترك دراسة إدارة الاعمال الدولية لتدرس علوم الطيران في فلوريدا فتخرجت في العام 2006 وتوفي والدها بعد ذلك ببضعة أشهر. وامضت بول سنة حتي تحصل علي رخصة طيران تجارية لها، وبعد ذلك رجعت الي السودان معتقدة أنها ربما تقود طائرات صغيرة هناك. ولكن أقاربها نصحوها بالعمل في الخطوط الجوية الاثيوبية ذات النمو السريع. واضافت أنها كان يمكن ان يطلق عليها النار (فتاة كابتن طيار في افريقيا؟) الا انها نجحت وهى اليوم تقود طائرات البوينج العملاقة 737 تجوب بها قارات العام. كما تقوم بمساعدة اقاربها في بدء الاعمال التجارية وإدارة المزارع وغيرها من الممتلكات في السودان لتكمل مشوار والدها وهو بناء السودان وتختم قولها بأنها تحولت من عارضة أزياء الى نموذج يحتذي به.