لاحظت بعد أن تابعت تقريباً كل ما كُتب بصحف الخرطوم تعليقاً على الكلمة البذيئة والنابية التي وردت في إحدى «كتابات» الكاتب المعروف إسحق أحمد فضل الله، لاحظت أن لا أحداً قد جرؤ أو طاوعه قلمه لإيراد الكلمة موضوع التعليق وإنما تحاشاها وتفادها الجميع وكان الكل يقول تلك الكلمة النابية البذيئة التي خطها إسحق في صحيفة سيارة يقرؤها الجميع رجالاً ونساءً، مراهقين ومراهقات، الكل يُلّمح للكلمة ويخجل ويستحي من أن يأتي على ذكرها، فمن بذاءة كلمة إسحق أنها بلغت درجة من الاشمئزاز في النفوس جعلتها في وضاعة كلمة «حمد» التي جرت مثلاً «القالو حمد» ولهذا أصبح الناس يقولون «القالو إسحق»، وإسحق فضل الله الذي يقول عنه بعض معاشريه أنه خلوق، طيب، ودود، لطيف وإنساني وحقاني في تعاملاته الخاصة، ينسى عندما يمسك بالقلم ليكتب كل هذه الخصائل الحميدة وخاصةً الخصلة الاخيرة «حقّاني» فيطيح في الخلق ممن يكرههم ويناوئهم شتماً وسباً ونبشاً في الاعراض والتعريض بالخصوصيات، فإنه ينسى كذلك أن للناس أعين وألسن وهو ليس في مقام الملائكة الاطهار... قيل والعهدة على القائل أن القائد الفذ المرحوم جون قرنق لمح إسحق ولم يكن يعرفه ذات جولة من جولات التفاوض التي كانت ملتئمة ومحتدمة بضاحية نيفاشا الكينية وكان إسحق هناك، فلفت سمت إسحق نظر قرنق، فسأل من كان بجواره من هذا الشخص، قيل له إنه إسحق أحمد فضل الله الذي يعد برنامج في ساحات الفداء في التلفزيون السوداني، رد قرنق بعفوية بالانجليزية: It is strange! that his face is also typical to his ideas وهو ما ترجمته «إنه لشيء غريب أن يكون وجهه أيضاً يطابق أفكاره»، وحين نورد هذه الواقعة التي لا تساوي شيء إلى جانب الفحش الذي يرمي به إسحق ما يعارضه ومن يعارضهم، فاننا لا نعجب بها ولا نتبناها وإنما فقط لنؤكد أنه من السهل جداً على أي إنسان أن يكون فاحشاً وبذيئاً وطعّاناً ولعّاناً، وما أسهل وما أكثر هذه المفردات التي ليس هناك «أبلغ» فيها من فاتيات الحواري والأزقة الملسنات، ولو إنفتح هذا الباب وصار سالكاً وممهداً لتحولت صحف الخرطوم ومنابرها إلى مواخير وكباريهات تسود فيها لغة «البنريدو بنسوي ليهو مديدة الحلبة والما بنريدو بنحرّش عليهو الكلبة»، ولهذا وخاصةً في هذه المرحلة المهمة والحرجة والحساسة التي تعايشها البلاد تبقى الحاجة إلى الخطاب العقلاني والمعقول الذي يُعني بأمهات القضايا ويبتعد عن الشخصنة والخصوصيات هو الذي يوصل المآلات أياً تكن نتيجة القادم إلى بر الامان والسلام... الغريبة أن لإسحق خارج سياقات كتاباته السياسية، كتابات أخرى وأقوال لطيفة، ماتعة ومثمرة ومفيدة نذكر منها «تلطيفاً» للاجواء ولطفاً به، فليس لنا معه موجدة أو خصومة شخصية، أنه قال رداً على سؤال في حوارٍ معه ما معناه من الصعب على الانسان أن يحافظ على إسلامه كاملاً ويبقى مسلماً كامل الدسم على مدى الاربعة وعشرين ساعة، فاسحق إذن يعرف أنه يخطيء وأنه لم يؤت الحكمة وفصل الخطاب وأنه أحياناً يفارق قيم الاسلام السمحة وهذا إعتراف يُحسب له، ومن الاقوال اللطيفة لملك السخرية برناردشو حين قال له كاتب مغمور أنا أفضل منك لأنك تكتب بحثاً عن المال بينما أنا أكتب عن الشرف، قال برناردشو صدقت فكل منا يبحث عن ما ينقصه، ومنها أيضاً قول المرحوم نجيب محفوظ لراقصة مصرية شهيرة لسعته بعبارة قارصة عندما كانت تهم بركوب سيارتها الفارهة فرأت محفوظ قريباً منها وهو يهم أيضاً بركوب سيارته المتواضعة فقالت ساخرة «بص الادب عمل فيك إيه»، رد نجيب صاعها صاعين قائلاً «بصي قلة الادب عملت فيك إيه»، ومن الاقوال الذكية اللطيفة المثمرة التي شدّ ما نحتاجها هذه الايام قول أحدهم لعله برناردشو أيضاً «لو كان لديك تفاحة ولدّي أنا تفاحة وتبادلناهما فيما بيننا سيبقى لدى كل منا تفاحة واحدة، لكن لو كان لديك فكرة ولدّي أنا فكرة وتبادلنا هذه الافكار فعندها كل منا سيكون لديه فكرتين». المطلوب تلاقح الافكار وليس التنابذ بالالقاب.