تنظر حولك فلا ترى غير الكذب ،الحكومات الكبرى تكذب على حكومات الدول الضعيفة، الملوك يكذبون على الرعية، والرؤساء يكذبون على الشعوب، الآباء يكذبون على الأولاد والبنات والأزواج يكذبون على الأزواج والصناع على المستهلكين وكل أحد على كل أحد كأننا قد أصبحنا في عالم من الكذابين، مما جعل الصدق عملة نادرة أندر من الكبريت الأحمر(هل ياترى مازال الكبريت الأحمر نادراً... أم أنها كذبة أخرى؟). في هذا الجو المفعم بالكذب يظهر صادق من مكان غريب هو اليابان ... ناس ليسوا مسلمين ولا مسيحيين ولا يهوديين بوذيين وثنيين علمانيين كفار ما شئت ولكنهم لا يكذبوا. تسمع عن أكبر نجاح لليابان وهو التويوتا وهي كل يوم تعترف وعلى رؤوس الأشهاد أنها تسحب كذا ألف سيارة من سياراتها، مفخرة الصناعة اليابانية بل معجزة صناعة السيارات في العالم هذه الماركة الساحرة التي أخذت اعترافاً باقتدار من جميع من يسوق السيارات في الدنيا... تقول هذه الشركة إنها تسحب سياراتها من الاستعمال من شوارع العالم مرة بأعطاب في الكوابح ومرة لأن مصافي الزيت تقطر بعض نقاط إضافية ومرة لعجز في جهاز التبريد ومرة ومرة ومرة... ما الذي أصاب هؤلاء المجودين فجعلهم يقعون في هذه الأخطاء التي لا تشبه حذقهم ودقتهم واتقانهم... يبدو أن السبب في نظام هذا الكون الذي لا يسمح بالاستمرار والخلود للأشياء لأنها فانية ولا يبقى إلا وجه الله ذو الجلال والإكرام. لماذا أخطأوا وهم الحاذقون؟ ليس هذا هو موضوعي، موضوعي هو كيف اعترفوا وهم التجار الذين ينبغي أن يخافوا على أرباحهم ومستقبل عملهم من قال لهؤلاء إن الصدق أفضل من الفلوس؟ من قال لهم إن الاهتمام بمصلحة الزبون أحسن من الاهتمام بسمعة الشركة؟ من قال لهم إن الحق أحق أن يتبع ولو أذىّ معلنه وقائله؟ قال لي جاري الذي عاش في اليابان مدة من الزمن إنهم في العمل لا يمنعونك من الاستئذان والغياب ولكن الدقائق التي تغيبها تخصم مباشرة واتوماتيكياً من راتبك آخر الشهر. فأنت حين تريد أن تترك العمل لفترة فكر جيداً إن كان بمستطاعك التخلي عما يساويه غيابك من دقائق هي مال مطروح من راتبك الشهري. تبارى اليابانيون مع بعض الأوربيين في من يصنع سفينة حددت مواصفاتها على أن تسلم في ميناء قد سميّ، في فترة وجيزة سميت، والفائز ينال جائزة ضخمة. وفاز بالجائزة اليابانيون لأنهم صنعوا هيكل السفينة التي يمكنها من الإبحار وظلوا يصنعون أجزاءها الأخرى وهي متحركة في عرض البحر نحو هدفها فوصلت تامة سابقة... فتأمل؟ هذه أمة مضروبة بقنبلة نووية قبل سبعين سنة فقط ... واقتصادها اليوم ربما يكون الاقتصاد الثالث على نطاق الدنيا كلها وهم حلفاء لصيقون لمن ضربهم بالقنبلة الذرية نفسه... لم يحرروا منه استفادوا من تقنيته وحيدوا عداوته بل كسبوا صداقته مما أدخلهم الى عالم الثراء من أبوابه العشرة (هل للثراء عشرة أبواب؟) إن كنا مأمورين بأخذ العلم ولو من أرض الصين فاليابان جارة للصين فلماذا لا نأخذ منها ومن الصين العلم؟ ونزيد على أن نأخذ من اليابان الصدق والعمل والواقعية...