هل هنالك مبررات منطقية لصمت الأزواج داخل منازلهم؟ وكيف يمكن للأسر إنهاء حالة الصمت؟ وماهي الدلالات التي يشير اليها صمت الازواج ؟ ولماذا يلجأ الازواج في الأساس للصمت داخل البيوت بينما يتبادلون الحديث بحفاوة خارج أسوار المنزل؟ هل يرتبط ذلك بحسم الزوج للأمور؟ ولماذا لا تجتهد الزوجة لتنتشل زوجها من حالة الصمت التي يعيشها قبل أن تعم أفراد الأسرة؟ وهل يسهم الخرس الزوجي في تفجير الخلافات بين الأزواج ويحيل الحياة الى جحيم ؟ وماهي الآثار السالبة المترتبة على حالة الصمت التي يعيشها الازواج في بيوتهم وانعكاساتها على الأطفال ؟ وهل لوسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الحديثة يد في ذلك؟ . سداد الثمن.. حنان كشة ما أن يعبر مصطفى ذو الثلاثة وأربعين عاما باب منزله بعد عودته من العمل حتى يلف الصمت الجميع حتى الصغيرة سارة ويظل الحال على ما هو عليه حتى أثناء تناولهم وجبة الغداء ولو تطلب الأمر أن يتحدث أحد أفراد الأسرة فإن الحديث لا يكون إلا همسا ، ومصطفى وزوجته لم يعد بينهما ود منذ سنوات خلت ولم يتفقا على شئ مطلقا سوى إتفاقهما على أن يسيرا دفة أمور أسرتهما حرصا على أبنائهما فمنذ زواجهما لم يسبق أن كان أمرهما كسائر الأزواج يختلفان في كل شئ يتناقشان ويكثر الجدال ثم يصمتان عن بعضهما أياما يتخلل ذلك فقط حديث يتناول تدبير شؤون الأسرة من مأكل ونحو ذلك دارت عجلة الزمن حتى تفاقمت المشاكل وتعقدت أكثر وأكثر، زوجة مصطفى تعمل بإحدى المصالح الحكومية تخرج هي الأخرى لعملها بعد تأدية واجباتها المنزلية لتمارس حياتها وعلاقاتها الإجتماعية بشكل طبيعي مثلما يفعل مصطفى ، ولكن لم يمض الحال مثلما كانا يعتقدان ففي أحد الأيام عادت لتحاصرها إبنتها الكبرى سماح بشلالات من الأسئلة وتقارن حال أسرتها بأسرة صديقتها المقربة إليها في المدرسة والتي تعيش في كنف أسرة متحابة يجمعها رابط المودة فالأبناء يتحدثون في كل شئ مع والديهم ويخرجون بين كل فترة والأخرى للتنزه مع بعضهم البعض سألت والدتها ولم تجد الإجابات الشافية التي يمكن أن تصمت شبح المقارنة الذي يعاود بين كل مرة والأخرى الإطلالة على مخيلتها… تراكمت الأحداث بمرور السنوات وهاهي سماح تتأهب للجلوس لإمتحانات الشهادة السودانية بعد أن تأثر مستواها الأكاديمي فبعد أن كانت من العشر المتفوقات ، تراجعت الى قائمة العشرين ولا يدري أحد هل سيستقر حالها على ذلك أم أن مستواها الأكاديمي سيترنح ثانية. مسببات عديدة.. تؤكد أبحاث علم الاجتماع أن الخرس الزوجي ليس مرضاً وإنما حالة هروب من المشاجرات الزوجية رغم أن الشجار الزوجي أمر طبيعي جداً وليس بالضرورة أن يكون مصيبة وبالتالي تكون المواجهة أفضل من الإستسلام والهروب لذلك ينصح علم الإجتماع الزوجين بالحوار وإيجاد حل لأي مشكلة قبل تفاقمها تفاديا لعواقب تراكم المشكلات دون حلول حيث أكدت الإحصائيات أن مؤشر الإحساس بقيمة الطرف الآخر يبدأ في التراجع بعد مرور خمس سنوات على الزواج وتبين غالبية الدراسات العلمية أن 79% من حالات الانفصال بين الأزواج تكون بسبب انعدام المشاعر وعدم تعبير الزوج عنها وإنعدام الحوار الذي يربط بين الزوجين كما تؤكد الأبحاث أن عدم إصغاء الزوج لزوجته والحوار معها يعود لأسباب كثيرة أهمها عدم المام البعض بمعنى وأهمية الحوار وأحياناً يؤدي صمت الزوج إلى توتر الزوجة وإبتكارها مواقف بسيطة تجمعها مع بعضها البعض لتصبح مشكلة وهناك نسبة ليست بالقليلة من الأزواج يعتقدون أن عليهم توفير المال فقط لأبنائهم وزوجاتهم وبالتالي يتنصلون من واجباتهم تجاه أسرهم ولا يريدون من المرأة سوى الطاعة ولا يحبذون مطلقا أن تكون ذات شخصية قوية بل أن تكون زوجة رومانسية وأما حنونة وموظفة حازمة وربة منزل مسؤولة . وتقول الباحثة الإجتماعية ريم محمد عثمان إن الحياة تختلف بعد الزواج وأنه تكشف بعد دراسات علمية عديدة أن 90% من الأزواج يعيشون حياتهم بصمت مقصود من الزوج ، فهؤلاء الأزواج يعيشون مع بعضهم من أجل الأولاد فقط أو لأسباب لها علاقة بكلام الناس ونظرة المجتمع. بركان خامد.. صمت الأزواج بركان خامد لفترات طويلة لقناعة الطرفين بأن الصمت أفضل من الكلام والشجار الذي لا يأتي بنتيجة وفي بعض الأحيان يكون خيار الصمت بقرار ثنائي يبصم عليه الزوجان، لكن ترك الأمور وتأجيلها حسبما تقول ريم محمد عثمان لا يحل المشكلة بل يؤدي إلى ظهور مشاكل اخرى كنتيجة حتمية للمشكلة الأساسية وبالنهاية يجد الأزواج أنفسهم أمام تراكمات لا تعد ولا تحصى من التفاصيل التي تبدو صغيرة وتنتهي بخلاف جديد، بالإضافة لتولد مشاعر كبيرة من الحزن داخل الزوجين و بأحيان كثيرة يتحول البركان الخامد إلى بركان نشط وينثر كل ما سبق وتراكم لذلك يؤكد خبراء علم النفس أن أخطر مساوئ الصمت بين الأزواج هو حدوث التراكمات التي كلما زادت صعب حلها، ومن ناحية أخرى فإنهم يؤكدون بأن القدرة على الحديث لفترات طويلة لا تعني دائماً القدرة على التعبير الصحيح، أي أن العلاقة قد تكون عكسية بين كثرة الكلام وبين النجاح في التعبير عن المشاعر والأفكار وحل المشكلة، وعندما تكون المرأة من هذا النوع فإنها لا تختلف من حيث الجوهر عن الرجل الذي يلوذ بالصمت تاركاً حياته الزوجية تحتضر إلى أجل غير مسمى. آثار وعواقب.. الصمت مساحة للتأويلات التي قد تذهب في كل الاتجاهات، سنخطئ حتماً في تفسير صمت الطرف الآخر، فبعض الصمت هروب وبعضه عتاب، وكلما طال الصمت تشوّهت الصور وناب عن صوته مرارة تقتل ما كان حلواً بينهما.. وللصمت حسبما تقول دكتورة رشا مضار عديدة تلحق بالأسرة والأبناء، حيثُ يتسبب الانفصال النفسي بين الزوجين في دفعهما والأبناء لعزلة اجتماعية والقدرة على التواصل ، وبحسب قولها فإن تنامي الحواجز داخل جسد الأسرة الواحدة يقود الأبناء للإحتماء بأقرانهم ومشاورتهم في كل أمر وقد يتسبب ذلك في ضياع الإبن أو الإبنة بزرع قيم سالبة وتشير دكتورة رشا إلى أن أبناء الأسر المضطربة يعانون من الإحباط والصراع، مما يعيق نموهم الإجتماعي والإنفعالي والخلقي، بالإضافة إلى تعزيز خطر إصابتهم بالإضطرابات النفسية والإنحرافات السلوكية المختلفة. وتكتب دكتورة رشا عطية إستشاري العلاقات الأسرية بعض الحلول للتخلص من صمت الأزواج قائلة :»على الزوج والزوجة مراعاة التجديد والتغيير في الحياة الزوجية للتخلص من الرتابة والملل، وعدم السماح للصمت بسيادة الموقف درءا للمخاطر التي يخلفهما الفتور والصمت، وتضيف إعتماد مبدأ الصراحة والتفاهم في العلاقة الزوجية، وخلق جو هادئ ينشر الود والمحبة مع تجنب استخدام العنف والتشبث بالرأي وإعمال تبادل الأفكار ووجهات النظر وتقول إن سر العلاقات الزوجية الناجحة يكمن في أن يتقبل كل من الزوجين الآخر بعيوبه ومزاياه، وعليهما أن يعيا جيّدا بأن لكل منهما حقوقا وواجبات عليهما الإلتزام بها لإنجاح العلاقة الزوجية» والوصول بأسرهم إلى بر الأمان.