«إن تصحب أقواما يخوفونك حتى تدرك المأمن، خير من أن تصحب أقواماً يؤمنونك حتى تلج المخاوف». نعيش في هذه الحياة وكل يوم يمر بها تمر بنا فيه تجربة هناك من يستفيد منها وآخرون لا يتوقفون عندها لانشغالهم بماديتها أو الركض واللهاث في تحقيق الذات والوصول لأهدافهم سياسية اقتصادية أيا كانت. وعلينا تجلية النفس والاستعداد الدائم للمعرفة وعدم الحكم النهائي على الاشياء، وليكن هنالك متسع في الصدر والعقل لمعرفة المزيد، وان تجاربنا دوما ليست كافية وآراءنا ليست نهائية أو قطعية، فكل يوم نعيش فيه علينا التعلم فيه. فنحن نقابل أناساً كثيرين في حياتنا، منهم من يترك في دواخلنا بقايا من عطر ونجبر بمبادلته وفاءً بوفاء، ومنهم من يترك حسرة معرفتنا به، لا نعلم في اية نفس يكون الخير.. نقابل الكثير في محطات الحياة نستفيد ونفيد بمعرفة أو حكمة. ليس عيبا ان يدرك الانسان نقصه، ولكن كل العيب غض الطرف عنه، فنعيش حاملين عيوبنا داخلنا نؤذي بها أنفسنا ومن حولنا حتى تتضخم وتقتل الجميل فينا، فنبيت رافضين كارهين أنفسنا والعالم حولنا، فنصاب بأمراض نفسية، ومنا الكثير ممن لا يعلم بمرضه او يكابر. ويدخل في حياتنا شخص يمثل لنا طوق نجاة يجعلنا نبصر بعين جديدة ونفكر بمنطق آخر بعمق وايثار، فعلى الرغم من قسوة الكلام الخالي من المجاملة فنحن دوما نحب الاطراء والكلام المنمق المعسول، ولا نحب من يُعرينا أمام أنفسنا، فنظهر أمامه بضآلة حجمنا الطبيعي، وهذا الشخص لا يكل من إعطائنا دروسا وعبرا.. هذه هي المعزة الحقيقية، فهو كمن يعطينا الدواء مرَّ المذاق لكنه يشفينا اذا اتحنا لانفسنا فرصة لنتعامل مع ذواتنا بشفافية اكبر، وتقبلنا نقد الآخر لنا خاصة اذا كانت لدينا قناعة كافية بأن الآخر لا يريد ضررنا بل هو حريص علينا، وإلا فما بذل كل الجهد والعناء لانتشالنا وإنقاذنا حتى من أنفسنا، فبحسبة بسيطة ما الذي يجنيه هذا الشخص لمده لنا طوق النجاة في بحر الحياة متلاطم الأمواج، فيظهر هذا الشخص في وسط عتمة أيامنا، فيصبح بمثابة شعاع يتحسس طريقه لنا، فينير أنفسنا ويتيح لنا فرصة اكتشاف أنفسنا من جديد لنحيا حياة جديدة برؤية اشمل وافق اوسع، فلا عائد مادي يعود عليه أو مصلحة شخصية، فيكتب لنا ان نحيا بنفس مستنيرة وعقل منفتح متصالح، فهنيئا له بما يحمل من قوة ارادة وسعة صدر ورحابة، في وقت فيه الكل غارق في ذاتيته ومصالحه الشخصية، فنسعد بهذا الشخص نادر الوجود، سعداء نحن اذ قابلناه في مسيرة حياتنا، فمن حُبِّ الله لنا ملاقاة شخص ينير لنا دروب الحياة ويترك لنا فرصة اكتشاف أنفسنا وتقويمها، فنعيش بروح جديدة خفيفة وشفافة. وتعساء هم من يعيشون دون ادراكهم لأنفسهم، وتعساء ايضا ممن يقضون حياتهم بين أناس لا يهتمون بأمرهم، فقط يسمعونهم الكلام المعسول الأجوف ليزيدوهم غروراً على غرورهم، فيصبحون لا يُطاقون ولا يُطيقون أنفسهم، فيعيشون في قلق وكدر.. ندعو الله أن يسخر لنا أشخاصاً أنقياءً يكونون لنا عوناً وسنداً.. يشعرونا بالأمان والسكينة ونحن بقربهم.