كتبت من قبل في هذه المساحة عموداً بعنوان (قناة الجزيرة.. لغز أم أسطورة؟)، حيث ذكرت أنه لا يختلف إثنان على المهنية العالية التي وصلتها قناة الجزيرة كقناة إخبارية متخصصة وهنا يكمن جانب الأسطورة، أما اللغز فيتجلى حول من يقف وراء قناة الجزيرة. البعض يشتط ويتهمها بأنها صنيعة إستخبارية متقنة تَدّس السُم في العسل وتخدم أغراضاً غربية (أمريكية وإسرائيلية بالتحديد)، في حين يتهمها آخرون بأنها معقل للأصولية الإسلامية ولحركات الإخوان المسلمين. أصحاب الإدعاء الأول يستندون على حيثية أن القناة مدعومة دعماً بازخاً وسخياً من أنظمة تُصنف في معسكر التوافق والصداقة مع الولاياتالمتحدة ، أما أصحاب الإدعاء الثاني فحجتهم تكمن في أن الكوادر الإعلامية والإدارية للجزيرة معظمهم من الإخوان المسلمين ما عدا سامي حداد وجميل عاذر المسيحيين ويركزون على إدانة تيسير علوني من قبل المحاكم الإسبانية بتهمة التواطؤ مع تنظيم القاعدة. كون قناة الجزيرة أسطورة إعلامية ذات قدرات مهنية عالية فهذا لاشك فيه، أما تفكيك طلاسم ألغازها فذاك أمر جد عسير، على الأقل في الوقت الحالي. كل هذه الهواجس دارت برأسي ورحت أتذكر ما دار قبل بضع سنوات فى قناة دريم مع منى الشاذلي وبرنامجها الناجح (العاشرة مساء) حين إستضافت الإعلامي المتميز غسان بن جدو أحد كوادر قناة الجزيرة، وهو تونسي الجنسية بالإضافة إلى جنسيته اللبنانية ، فأمه لبنانية مسيحية وزوجته شيعية من لبنان وهو مسلم سني. قبل قدومه للجزيرة كان يعمل مراسلاً للقسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية في إيران كما عمل أيضاً مديراً لمكتب الجزيرة في كل من طهران وبيروت. أدهشني في ذاك الحديث لغسان بن جدو ماتعرضت له قناة الجزيرة من غضبة إسرائيلية جراء مقابلة أجراها غسان مع سمير القنطار (عميد الأسرى العرب في إسرائيل) والذي أمضى أكثر من ثلاثين عاماً في السجون الإسرائيلية قبل إطلاق سراحه في صفقة تبادل بين حزب الله وإسرائيل. في تلك المقابلة قام غسان بإحضار (تورته) بمناسبة عيد ميلاد سمير القنطار واحتفل به أمام الكاميرات مما جعل إسرائيل تستشيط غضباً وهددت بأنه يجب على القناة بث إعتذار عن هذا البرنامج وبالفعل نفذت القناة طلب إسرائيل بشكل دبلوماسي، ولقد مضت إسرائيل أكثر من ذلك كما قال غسان حينما طلبت من القناة محضراً لجلسة التقويم اليومي التي تعقدها القناة، وهي جلسة تُعقد يومياً وتدون فيها الملاحظات حول البرامج اليومية التي تم بثها، وقد تحرج غسان ولم يستطرد ويخبرنا عما إذا كانت قناة الجزيرة قد لبت هذا الطلب المهين من قبل إسرائيل. قناة الجزيرة.. ما أكثر ألغازك!!