منحت هيئة المحلفين جائزة نوبل للسلام للمنشق الصيني المحكوم عليه في بلده بالسجن لاحدى عشرة سنة، ولما لم يتمكن الرجل بالطبع من الحضور لاستلام الجائزة ومنعت السلطات الصينية زوجته وأقاربه وأصدقاءه من الخروج من الصين لاستلامها صورت سلطات جائزة نوبل للسلام على الطريقة الدعائية الغربية المعروفة كرسيه الفارغ (الحزين) بعد أن وضعوا عليه زهرة وجعلوا كل من ينظر إليه من البسطاء يزرف عليه دمعة! وكان رد الفعل الصيني عنيفاً إذ انتقدوا جائزة نوبل للسلام وقالوا إنها تعطى للمجرمين لأن الرجل مسجون عندهم في جريمة وقالوا إن الجائزة كلها لا تصلح لشئ لأن أهدافها سياسية واستعاضوا عنها بجائزة جديدة في الصين سموها جائزة كونفيشيوس. فإذا علم القراء أن كونفيشيوس هذا هو الفيلسوف أو (النبي) الذى يتبعه الصينيون وتوجه تعاليمه حياتهم بأكثر مما يوجهها الحزب الشيوعي الصيني بل إن الشيوعية الصينية لم تأخذ طابعها المميز الخاص إلا بسبب الأثر القوي للكنفوشيوسية الضاربة الجذور في الوجدان الصيني..... إذا علمنا ذلك تستطيع أن نتصور درجة الغضب التى غضبها الصينيون على الغرب وعلى نوبل. لم تزل الصين في الآونة الأخيرة تضرب على وتر أنها أعلى كعباً في الثقافة من الغرب ففي المونديال الأخير الذى نظم في ارضها جعلت الميدان الذى أقيم فيه المونديال صفحة من صفحات التحدى الثقافي للغرب إذ أن أول ما أسدل عنه الستار دراما صغيرة حية بأزياء أثرية قديمة تصور الصينيين وهم يصنعون الورق وكأنهم يقولون للغربيين إن كنتم قد تقدمتم فقد ابتدأ تقدمكم من عندنا « فنحن الذين صنعنا الورق»... وهل يتصور أى تقدم بلا ورق؟! اليوم يقولون لهم إن كان نوبل قد صنع الديناميت فنحن قد صنعنا البارود! الصينيون حوالى اثنين مليار إنسان يصنعون كل شئ ويتقدمون الآن بخطى ثابتة نحو المركز الأول في العالم فهم لم يسمعوا بكساد اقتصادي وليس عندهم يهود يمسكونهم من حلوقهم ليحققوا أهدافهم من خلالهم على حسابهم وهم لم يتدخلوا في فلسطين ولا العراق ولا أفغانستان بل يؤمنون كما يقولون بصداقة الشعوب واقتصادهم بتنامى كالأميبيا لا يكاد يوقفه شئ. وهم مروجون من الطراز الأول يدل على ذلك انتشار بضائعهم ورواجها حتى في أوروبا وفي أمريكا بدرجة أذهلت الأوروبيين والأمريكان، فإن كانت قدرتهم على الترويج هى كما أشرنا فمن البديهي أنهم سيتمكنون من جعل جائزة كونفيشيوس أشهر من جائزة نوبل. و نحن في السودان لأننا قوم متلقون ولأن شاعرنا في القرن الماضي شاعر الحقيبة المبدع سيد عبد العزيز في رائعته بنت ملوك النيل كان قد منح جائزة نوبل للجمال لبعض النسوة الأم درمانية حين قال مخاطباً محبوبته المتفوقة عليهن: فقت اللى كانوا قبيل ماخدات في جمالهن جائزة نوبيل لا استبعد أن يأتي شاعر أم درماني آخر فيقول: يا ست الجمال يا ما ملكت نفوس - وحزت بلا منافس نوط كونفيشيوس ومهما يكن من شئ فإن في بروز الصين مهدداً لأمريكا والغرب ثقافياً واقتصادياً وعسكرياً مما يمكن أن يستدل عليه بقول الله تعالى: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض».