بالأمس كتبت عن تجربة السفير والوزير الأسبق الأستاذ رحمة الله عبد الله، وعن ارتياده لجامعة كامبردج وكليتها العريقة «ترينيتي» في عام 1947م، ووصلنا إلى اختياره في عام 1957م أول سفير للسودان بالهند. ومضى السفير المخضرم يحكي عن تجربته في ذلك البلد ليقول إن القارة الإفريقية السوداء لم تكن تملك سوى سفارتين في الهند هما سفارتا السودان وإثيوبيا، وإن سفير إثيوبيا الذي زامله في تلك الفترة البعيدة كان«رأس إمراس» عم الإمبراطور هيلاسي، الذي عرضوا عليه حكم إثيوبيا عشية انقلاب فاشل على الإمبراطور، إلى جانب بعض السفراء العرب ومن بينهم الشاعر الكبير عمر أبو ريشة سفير سوريا للهند في ذلك الزمن. وإلى جانب عمله في الهند فقد كان سفيراً غير مقيم لليابان وبعض الدول الآسيوية. وحكى عن زيارته مع وفد تجاري سوداني إلى الدول الآسيوية، حيث التقى ب «شوان لاي» رئيس الوزراء الصيني والرجل الثاني بعد ماو تسى تونج. وكان السودان يومها تحت ظل الأيام الأولى لعهد عبود، ولم يتم اعتراف السودان بحكومة الصين الشعبية بعد، فراح« شوان لاي» يحثهم على هذا الاعتراف، مغرياً لهم بقوله «لو طلبت من كل سيدة صينية أن تزيد من طول فستانها بوصة واحدة لاشترينا كل أقطان السودان»! ولعل هذا ما دفع السفير رحمة الله لكتابة مذكرة إلى السيد أحمد خير وزير الخارجية موصياً بهذا الأمر. وعن علاقته الوطيدة برئيس وزراء الهند وزعيمها الأشهر يوم ذاك نهرو، فيرجع السيد رحمة الله هذه العلاقة إلى عدة أسباب، من بينها أن الهند كانت أكبر مشترٍ لأقطان السودان.. إلى جانب جذبه لانتباه نهرو عبر الثوب السوداني الذي ترتديه زوجته في الحفلات الدبلوماسية الذي يشبه إلى حد كبير «الساري» الهندي، مما آثار فضول الرئيس الهندي، وتوثقت العلاقة عندما عرف نهرو أن السفير السوداني تخرج في ذات الكلية العريقة «ترينيتي- كامبردج» التي تخرج فيها الرئيس نهرو نفسه.. ويمضي السفير رحمة الله في حديثه الشيق عن تلك العلاقة عندما رُزق بأول أبنائه في الهند عام 1957م وأطلق عليه اسم «مهند»، وفي نظر السفير أن هذا أول «مهند» في السودان، فيومها لم يكن الاسم مألوفاً، ويحكي في هذا الشأن أن نهرو سأله عن دلالة هذا الاسم، فأوضح له أن «المهند» هو السيف الهندي، وراح يترجم له بعض أشعار كعب بن زهير في مدح المصطفى«ص» حين يقول: إنَّ النَّبِيَّ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ مما أطرب نهرو ووطد العلاقة بينهما. «غداً نواصل».