يقول أحمد أمين فى( فيض الخاطر) ليس المبتسمون للحياة أسعد حالا لأنفسهم فقط،بل هم كذلك أقدر على العمل ،وأكثر احتمالا للمسئولية،وأصلح لمواجهة الشدائد ومعالجة الصعاب والإيمان بعظائم الأمور،التي تنفعهم وتنفع الناس . نذكر بهذه المعاني والقيم بين يدي خطب جلل ، ومصاب كبير وعاصفة هوجاء ، ستعصف بوطن كبير اسمه السودان ،وشعبه يحتفل بالذكرى الخامسة والخمسين لاستقلاله غير المجيد؟!فبعد اقل من أسبوعين ،سيحمل إخوان لنا فى الحركة الشعبية مشارطهم ،لإجراء جراحة بجرعات تخدير مكثفة لبقر بطن السودان هذا الوطن مترامي الأطراف ، لإخراج مولود( خديج) من خلال استفتاء صوري لا تتوفر فيه أدنى مقومات وشروط الشفافية والحرية والنزاهة ،فلا عمليات التسجيل تمت كما ينبغي لمن يحق لهم الادلاء باصواتهم فى عملية الاستفتاء التي ستجري ولا التوعية والتبشير بخياري الوحدة جرت كما كان يتمنى بعض أهل الشمال الذين كانوا يتمنون لو أن الجنوبيين قالوا بوضوح وكثافة وداعا للشمال،مرحبا بنسيم الجنوب العليل ،الذي طالما تاق الجنوبيون إلى استنشاق عبيره، بدلا من حقنة الدكتور كمال عبيد الملوثة فى نظرهم،نعم لقد ضاع فى صخب طبول الانفصال وشعاراته الفاقعة نفرة الوحدة، التى طالما تغنى بها المشير البشير كثيرا، ضاعت تحذيرات حكيم المؤتمر الوطني الأستاذ على عثمان ،من قفزة غير محسوبة العواقب لاهلنا فى الجنوب أن ركبوا شيطان الانفصال،بعد 55 عاما من الاستقلال والاستغلال انشغل رجال صحافتنا ونساؤها بتلك المجلودة بأي ذنب جلدت ؟،واختزلوا مشاكله الكثيرة فى بنطال فتاة ، طالما دخل التاريخ من أوسع ابوابه وصار من مقتنيات قصر الاليزيه،بفضل حكمة الحاكمين وشماتة الشامتين .فاذا كان هذا هو حال نخبنا فى الشمال فمن حق اخواننا فى الجنوب أن يحلموا بالزهر الباسم فى غابات الجنوب المطيرة ومستنقعاتها الكثيرة،وان تتطلع أعناقهم الى فجر استقلالهم والى السماء والنجوم والطيور تغدو وتمسى إلى أوكارها كلها باسمة،قادتنا منذ فجر الاستقلال والى يومنا هذا اعتقدوا أنهم مخلوقون لصغائر الأمور ودنايا المقاصد وسفاسف الأشياء وكنا نحسهم قد خلقوا لعظائم الأمور ،وان لديهم همما تكسر الحدود والحواجز لكن خاب ظننا فيهم ،وهاهم جميعا حكاما ومعارضين،قد فشلوا فى أول اختبار لصون الوحدة وحماية الاستقلال الوطني،إن الصعاب فى الحياة السودانية أمور نسبية ، فكل شئ صعب عند أصحاب النفوس الصغيرة ولا صعوبات عند أصحاب النفوس العظيمة ،فعندما يلوذ من ظنناه وحسبناه حكيما وذا تجربة ثرة وصبر على المكاره ببيته ليكون آمنا في سربه معافى فى بدنه مهددا باعتزال السياسة وألاعيبها القذرة ،او بانضمامه لحزب الشيطان ليغرق البلاد فى فوضى لا قبل لأهل الحكم بها ، نصل لقناعة تامة بأن الإحباط قد أخذ من هؤلاء كل مأخذ ،وهم يعلمون أن الصعاب انما كالكلب العقور إذا رآك خفت منه ووليت الأدبار نبحك وعدا وراءك وإذا رآك تهزأ به ولا تعيره اهتماما، وتبرق له عينك، افسح الطريق لك، دونما تهتدون أو ترضون . لا شئ أقتل لنفوسنا من شعورها بضعفها وصغر شأنها ،وقلة قيمتها ، يقول ايليا أبو ماضى: قال : (السماء كئيبة ) وتجهما قلت :ابتسم يكفى التجهم في السما! قال :الصبا ولى!فقلت له ابتسم لن يرجع الأسف الصبا المتصرما! نعم هناك إحباط شديد مما ينتظر السودان في مقبل الأيام ، وقد يجد إخواننا في الجنوب ايام فرح وحبور لا يحده حدود لكن تلك الأيام لن تطول ،فسنة الحياة ،ان تمنحك بعد اشهر العسل سنوات بصل كثيرة، لن نحسدهم على انفصالهم وان كنا نرجو ان يكونوا معنا ونكون معهم نتقاسم الأتراح والمسرات ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه. هاهي نفحات ذكرى الاستقلال تأتى، بقضم جزء عزيز من الوطن،نسأل الله أن يجنب بلادنا جنوبه وشماله ما تخشاه الأنفس ،حيث يستطيع المؤتمر الوطني كفصيل رئيسي حاكم لما تبقى من السودان عند انفصال الجنوب أن يرفض نتيجة الاستفتاء حال جاء بالانفصال بحجة انه لم يجر بنزاهة وشفافية وحرية ، وهذا وحده كفيل بإشعال نيران لن تقف عند ابعد نقطة فى القارة السمراء ،كما أن اصرار الحركة الشعبية على حشر انفها فى السودان الشمالي بعد الانفصال ومحاولتها ترك أوصياء لها يطالبون بحكم السودان علمانيا لن يقابل الا بعنف غير محدود فالسودان الجديد الذى ظلت بعض قيادات الحركة تتمشدق به لن يعد ذا جدوى بعد أن تخلت عنه الحركة وتخلت عن الواهمين به من ساسة الشمال الذين غررت بهم الحركة من أمثال عرمان وعبد العزيز الحلو ومنصور خالد وغيرهم ولكي يداروا خيباتهم ويبيضون سواد وجوههم هاهو السيد ياسر عرمان يهدد ويتوعد بان لديه قوات تفوق جيوش دارفور مجتمعة وينسى عرمان انه مجرد شخص متهم بالقتل في جامعة القاهرة الفرع وربما لن تكفيه بقية سنواته حتى لو بلغ أرذل العمر كي ينظف صحيفته أمام القضاء، فمن الأفضل للحركة الشعبية أن تتعامل مع إنشاء دولتها الوليدة بعقلية أهل الحكم الراشد وليس بعقلية ثوار الغابة ، ومن الأفضل لها ان تسعى لعلاقات قائمة على الاحترام المتبادل مع حكام الشمال وليس تأجيج المشاكل والفتن فيه فالذي يحاول بناء بيته من زجاج وقش، ينبغي عليه أن يخشى حصب الآخرين له بالحجارة وان بجيوبهم ثقاب كبريت عود واحد منه يكفى لحرق البيت بساكينه - تشير الدلائل إلى عدم توافر عناصر الاستقرار في الجنوب حال الانفصال وهذا لأسباب قد يختلف بشأنها وأهم هذه الأسباب التعدد العرقي والقبلي في الجنوب وقد يدفع بوتيرة النعرات العرقية ويقوى من دعاوي أفضلية عرق على آخر وقبيلة على أخرى الدينكا مثلا على سائر قبائل الجنوب ،و قد تدفع بالجنوب إلى الاقتتال خاصة إذا نجح عرق بعينه من الاستئثار بالسلطة والثروة على حساب باقي الأعراق وهو أمر وارد في الجنوب وبدت ملامحه في الظهور في شكل قيام بعض القبائل المهشمة في حمل السلاح في مواجهة أبناء القبائل المسيطرة «الدينكا ، النوير ، الشلك وسوف يطالب هؤلاء بجنوب على اسس جديدة تماما كما كانت تطالب الحركة بسودان جديد والتنوع الذى تتحدث عنه الحركة فى الشمال حتى بعد لجوئها الى خيار الانفصال هو في الجنوب اكبر وأعمق واخطر،ومن مصلحة قادة الدولة الجديدة هناك ألا يكرروا أخطاء ساسة الشمال وهم يضعون لبنات دولتهم الجديدة سيكون مفرحا للشمال إن قامت إلى جوار دولتهم دولة صديقة ديمقراطية يسودها العدل والرخاء وكم سيكون محزنا إن أصبحت دولة بائسة فقيرة تمد يدها لدول العالم كي تطعم جياعها وتكسى عراياها وتنهب أموال نفطها لبناء القصور في الخارج وتزج بمخالفيها الرأي فى غياهب السجون، سيكون جميلا إن قلنا جميعا وداعا للحرب، نعم للسلام، بين يدي وداعنا لإخواننا في الجنوب بعد انفصالهم ولعلنا نلتقي بعد حين فإن لم يكتب لنا الله لقاء فلا اقل من ان نتعاون على الخير والمحبة، وان نتقاسم ما حبانا الله به من خيرات فى الجنوب والشمال، وان تعذر ذلك فلا اقل من ان نكفى بعضنا شرورنا. قال الشافعي :رضا الناس غاية لا تدرك وليس إلى السلامة منهم سبيل فعليك بما ينفعك فألزمه. نذكر إخواننا فى الجنوب بمقوله الإمام سفيان الثوري:ما أعطي رجل من الدنيا شيئا الا قيل له خذه ومثله حزنا ،نعم لقد أناخت الهموم بكلكلها على أهل الشمال وضربت الكروب إطنابها فى صدور البعض، من هول ما عانوا وما قاسوا من ويلات فى ظل الحكم الوطني، نعم خيمت سحائب حزن كثيرة ،على أرواحنا، وربما امطرت عيوننا دما بعد دموع ، نعم ربما لم يرَ معظمنا من فجر الاستقلال، الا حلكة وسواد ليله المطبق على قلوبنا ، نعم ربما يتنفس بعضنا من ثقب ابرة، وربما لا نرى فى نهاية النفق نورا، قد تتبع دارفور الجنوب، وقد يتبعها الشرق وهلمجرا ، نعم ربما الذي يحدث لنا ولبلادنا من تدخل الآخرين ، في شئوننا الداخلية، ولكن مؤكد أن كثيراً مما حدث لنا من صنع أيدينا، ومما اقترفتاه بحق بلدنا فهل نعتبر ونتعظ بدروس الدهر؟ بعيدا عن تصريحات ساسة الجنوب والشمال ونواياهم فى الوحدة والانفصال نذكر إخواننا فى الجنوب خاصة المسلمين منهم بما قاله رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة وازكى التسليم فى حديث شريف (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها اختلف )فلابد ان السنوات الطويلة التى عشناها مع بعض كفيله بأن تخلق الفة بيننا ولو بعد حين وقناعتي الشخصية ان الانفصال لو وقع فسيكون لقادة الحركة الشعبية وسياساتها وخططها وتحريضها نصيب الأسد. حكم: ابتسم دائما خاصة فى الأوقات الصعبة . الزمن يحل المشاكل ويجعلها قديمة(أرسطو) . الشذا دائما يبقى عالقا باليد التي قدمت الوردة. الشريف اذا ارتفع تواضع والوضيع إذا ارتفع تكبر. كم فى المقابر من عظماء كانوا يعتقدون أن الحياة سوف تتوقف بعد موتهم . نصف الكراهية....سوء الفهم . لا يعرف المرء ما يملكه إلا عندما يفقده. يتعلم العقلاء من التجارب. ما أسهل أن تكون عاقلا بعد فوات الأوان . لا تفكر فى المفقود حتى لا تفقد الموجود. سأل الممكن المستحيل كأين تقيم؟ فأجاب فى أحلام العاجز. *كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر