من حق الشعوب العربية والإسلامية والأفريقية وكل أحرار العالم أن يتظاهروا وينددوا بالممارسات الجائرة التي أهدرت حقوق الإنسان في سجن غوانتنامو الشهير، ومن حق الضمير العالمي أن يعذبه ويؤرقه ما يحدث في هذا السجن من إنتهاك لآدمية المعتقلين فيه، لكن ليس من حق أي من الحكام العرب أو الأفارقة أن يتحدث في مثل هذا الأمر.. فما يحدث في سجون ومعتقلات أولئك الملوك والرؤساء يتفوق على كل عذابات غوانتنامو بما فيها من إنتهاك وإهدار لحقوق الإنسان ، ففي غوانتنامو تنتهك حقوق الإنسان وفي سجون العرب والأفارقة يُنتهك الإنسان نفسه دعك عن حقوقه حيث تصبح كل آمال السجين أو المعتقل هي رحمة الموت وليس بشاعة الحياة في السجن! قبل أكثر من عام ظللت أتابع عبر برنامج شاهد على العصر في قناة الجزيرة إفادات الضابط أحمد المرزوقي الذي شارك ضمن مجموعة من الطلبة الحربيين صغار السن في إنقلاب عسكري على الملك الحسن الثاني ملك المغرب مطلع السبعينيات. أحمد المرزوقي وطلبته من العسكريين الصغار تم التغرير بهم وتضليلهم وهم يظنون وفق الأوامر العسكرية أنهم في مهمة عسكرية ليكتشفوا بعد فوات الأوان أنهم متورطون في إنقلاب. ليس هذا ما يعنينا.. المهم أنهم أُدينوا وبُعث بهم إلى سجن تازمامارت في صحراء المغرب حيث قضوا أكثر من ثماني عشرة سنة. السجن يقع وسط الصحراء وهو عبارة عن عنبرين يضمان عدة زنازين إنفرادية لا تتسع الواحدة منها لأكثر من ستة أو سبعة أمتار مربعة حيث قضوا كل تلك السنوات في حبس إنفرادي مظلم لا يستبينوا فيه عتمة الليل من ضوء الصباح، وتُنتهك أجسادهم بسياط البرد في الشتاء حيث تنزل درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، ويلفحهم جحيم الحر في الصيف حيث تبلغ درجة الحرارة فوق الأربعين. ظلوا يعيشون على فتات الأكل يلقى لهم ويأكلونه في ذات الصحون التي يقضون فيها حاجتهم الطبيعية. حكى أحمد المرزوقي عن ضابط زميل له في السجن أُصيب بالشلل التام بعد أن تيبست أطرافه بفعل البرد وأمضى إثني عشر عاماً وهو مشلول في تلك الزنزانة بحيث إستحال جسده إلى كتلة نتنة بفعل إفرازات جسده من عرق وبول وغائط وقروح سريرية راحت تنهشها الحشرات والديدان طوال تلك السنوات دون أن يكلف الحراس أنفسهم عناء الدخول إلى زنزانته ناهيك عن توفير أدنى الإسعافات الأولية حتى فاضت روحه وأرواح آخرين من زملائه على تلك الحالة. أيُّ خُزي وأيُّ عار ذاك الذي يحدث في سجون العالم الثالث ولا نستثني أحداً من المحيط حتى الخليج، ففي غوانتنامو تُنتهك حقوق الإنسان بشكل بشع ولكن في سجون العرب والأفارقة يتشهى المعتقل رحمة الموت!