٭ تأتي الذكرى الخامسة عشر لرحيل المبدع الفنان مصطفى سيد أحمد بنفس طعم الرحيل المر الذي (خلَّف) فراغاً كبيراً في المقاعد الأمامية لكبار المبدعين، فمصطفى لم يكن ابداً فناناً وملحناً وموسيقاراً فقط بل كان انساناً قبل كل هذا يحمل قلباً كبيراً ينطوي على حب (الوطن والشعب) بكل أريحية وجمال... ٭ كان مصطفى الفنان (المفضَّل) من قبل المثقفين والطلاب... يرددون أغنياته ويجدون فيها طعم الوطن فسيستزيدوا وينهلوا من جمال أدائه وبراعته في اختيار القصائد (الرمزية) التي تحمل الهم الوطني وتعكس الواقع الاجتماعي والسياسي فتلهب الحماس والأكف. ٭ من رحم الشعب خرج صوت مصطفى قوياً جهوراً يحمل دفئاً مميزاً ولوناً جاذباً منح مصطفى (جواز المرور) لقلب الشعب الذي أهدى مصطفى الحب والاعجاب والدمع الهتون عندما وصل جثمانه مطار الخرطوم فكان (حدثاً تاريخياً) سجلته (كاميرات) القلوب قبل الصحافة اذ اخترق الشعب (الحواجز والتعتيم) الذي فرضته السلطة آنذاك. ٭ كما فتح مصطفى قلبه للغناء والحب فتح بيته كذلك فجمع حوله أكبر عدد من الأصدقاء والمعارف و(الجيران والحبان) ومنحهم من وسامته وسمو روحه شذرات غنية بحسن الضيافة والكرم (السلفابي) الأصيل الذي شب وترعرع فيه مصطفى ولازمه حتى آخر لحظة في حياته عندما كان يهب الناس الفرح وهو حزين يتلوى من قسوة (الوجع الخرافي)... ٭ لم يكن مصطفى يفاخر بقبيلته بل كان يعتز بهويته السودانية والتي (عكسها) الشعراء في قصائدهم لمصطفى الذي وجد نفسه مع صلاح حاج سعيد وقاسم أبوزيد ويحيى فضل الله وأزهري محمد علي وحميد والقدال وعالم عباس وخطّاب حسن أحمد وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة. ٭ هجر مصطفى التدريس وخطا أول الخطوات لمعهد الموسيقى والمسرح فبهر (الكوري) بحنجرته (البلاتينية) وارتقى السلالم سريعاً (فتلقفته) جلسات الاستماع التي (توسعت مساحاتها) بقدر (مساحات الابداع) عند مصطفى الذي ظل مبدعاً ورائعاً رغم الرحيل. ٭ ارتوى مصطفى من جماليات (ود سلفاب) وجماليات الطبيعة البكر فجاءت أغنياته مليئة بالنضار والندى مرتبطة بها مسافرة في واقعها إذ كانت تأسره الفكرة واللحن والكلمة وكان (يجلبها) من (معاقلها) ويطوعها للتلحين وهنا تبرز لنا رائعة نزار ودرويش (مهما هم تأخروا فإنهم يأتون من درب رام الله أو من جبل الزيتون) فاختياره للمفردة وحيويتها كانت الكأس المترعة التي تدفقت من مصطفى إلى وجدان الناس. ٭ يحكي مصطفى جيل الجمال والموهبة والابداع المتنوع الذي جذب الشعراء من خارج السودان إليه فدون بعضهم افادته في الصوت الذي (شغل الناس) وعبر القارات وأثبت قدرة فائقة على التلاحم مع البسطاء.. ٭ رحم الله مصطفى الذي منحنا - ومازال - مساحات من الغناء الرفيع رغم الرحيل... ٭ همسة:- بين الرحيل والاياب مدائناً تنزف جروحاً من عذاب... فترتوي أرضي بلوعة الشجن المقيم... يا حاطباً في الليل أجنحة الرحيل... وداعاً... فالقلب بعدك ينطوي على عمق المصاب...