تهل علينا الذكرى السنوية لرحيل شامة الغناء السوداني مصطفى سيد أحمد المقبول ابن قرية «ود سلفاب» بالجزيرة، ولا يزال وتر الفقد مشدوداً بطول وعرض الوطن، وأصداء صوته العذب تملأ فضاءات الوجدان بأنسام أريج المشاعر الدافئة الراقية التي سوف تظل تجمِّل نهارات حياتنا بقنديل الأمل والصبر الجميل.. أعوام من الغياب السرمدي مضت ونحن نرقب الأفق البعيد هناك، حيث توارى طيف الفارس الإنسان.. سنوات من الحزن الأخضر مضت.. وكل الشواهد تقسم وتجزم عاماً تلو الآخر بأن مصطفى سيد أحمد لم يكن إلا استثناءً جميلاً واسطورة مثل العنقاء والخل الوفي، وأن جيناته الصوتية فنياً غير قابلة للاستنساخ وفق قوانين الهندسة الوراثية، وأن صفاته الإنسانية بشهادة كل الذين أسعدتهم الأقدار بالقرب منه كانت بعض أقصى مدارج الكمال الإنساني، ولأجل كل ذلك التصقت به في حميمية أجيال متباينة الرؤى والأعمار كان إنحيازها الاول والاخير للتفرد والإبداع. وقد استطاع الراحل أن يرسي مدرسة فنية متفرّدة الألحان والكلمات خضراء المعاني كثيفة الظلال والعبير. والعشق في أغنيات مصطفى نبيل وفريد، والحبيبة حورية بحر من نسيج المعاني الكبار.. والأماني المستحيلة .. والحزن عميق كالبحر ينطوي على فلسفة عميقة مفادها أنه أصل الأشياء.. وأروع ما في أغنيات مصطفى أنها تغرّد بخلجات إحساس المحرومين والبؤساء والفقراء.. أولئك المتدثرين بصقيع المشاعر وظلام الهموم والباحثين عن «المدن الفاضلة» والملاذات الآمنة المطمئنة. رحل مصطفى سيد أحمد عنا رحيلاً فجائياً بحسابات الأعمار والآجال التي لا يعلمها إلا البارئ، وخلَّف فينا سامر وسيد أحمد، وإرثاً قيماً من الأغنيات التى تحتاج إلى الجمع والتوثيق لتكون في متناول الجميع سلوى وملاذاً. وتبقى الإشارة المهمة تخليد اسم الراحل بمؤسسة ثقافية ترقى لقامته، او اطلاق اسمه على قاعة فى كلية الموسيقى والدراما، او حديقة نضيرة او شارع أنيق فى قلب المدينة.. وقبل ذلك استمرار مشروعه الفنى عبر الاجيال، وفى ذلك بعض وفاء وعرفان. فوتوغرافيا ملونة باقة ورد ندية نهديها فى مقام الذكرى للمبدع هشام صديق، يحيى فضل الله، محمد الحسن سالم حميد، القدال، صلاح حاج سعيد، أزهرى محمد علي، الكتيابى، محجوب وعاطف خيرى، النخلى ولكل الشعراء الذين كتبوا اجمل قصائد مصطفى بحبر الدهشة الأخاذ، وأحالها صوته إلى عرائس من البهجة والجمال تأخذنا طربا وتزرعنا فى قلب النجوم مع اشراقة كل يوم جديد مفعم بالأمل. عفوا هذه الحروف ليست بكائية على أطلال الذكرى.. انها وقفة لتجديد فروض الولاء والطاعة للصوت الذي اقتحمنا طوعاً، وسمحنا له بإقامة دائمة في اعماق دواخلنا، يحفه حرز الشوق الخالد والإعزاز.. رحم الله مصطفى سيد أحمد في موسم ذكراه التي لن تغيب أبداً في عتمة النسيان. [email protected]