٭ أكتب هذا المقال من دارفور من مدينة نيالا قبل ان اصل الخرطوم يوم السبت الفائت، الناس في نيالا يعيشون ويعايشون اكثر من هم ،التفلتات الامنية رغم إنحسارها النسبي، إذ كانت اكبر مشكلة تواجه الولاية هى الحروب القبلية بسبب انتشار السلاح وضعف هيبة الدولة في السابق، ولكن بعد المصالحات الاخيرة في الشهر الفائت إنحسرت هذه الظاهرة ، وبقيت افرازاتها السالبة من توفر للسلاح في يد المجرمين وزيادة اعداد المجرمين أنفسهم. ففي يوم الخميس الماضي حصل إعتداء على عربة بها عدد من المواطنين بين منطقتي الضعين وبرام مات فيها عدد من الناس ،وفي منطقة ياسين اعتدى بعض الناس على اشخاص في مزرعتهم وتم اغتيالهم والسبب هو الرعي والزراعة، لذلك نقول لارباب المصالحة القبلية الاخيرة وحتى تكون قراراتهم نافذة يجب محاكمة وإعدام أى من تثبت عليه الإدانة، ويجب الا تُترك هذه الاعتداءات للمعالجات القبلية، ولابد من تعاون القضاء مع هذا الاتجاه وإلا رجعنا القهقري ونبدأ دوامة العنف القبلي من جديد، لقد حصل قطع للطريق في محلية السلام وتم القبض على المتهمين يجب محاكمتهم واذا تمت الإدانة يجب إعدامهم في مشهد كبير في مدينة نيالا عظة وعبرة للآخرين، ويجب ان تكون الآية الكريمة ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب نصب الاعين. أما الهم الثاني هو الغلاء الفاحش الذي عم البلاد وبالذات جنوب دارفور لبعدها عن المركز وصعوبة وبعد المسافات والهواجس الامنية التي تحيط بها، هل يعلم الناس أننا في الحالات العادية قبل الزيادة نشتري جالون الجاز بتسعة جنيه، والبنزين باثني عشر جنيه، والغاز بأكثر من عشرين جنيهاً، وعلى ذلك قس المواد الضرورية الاخرى. هنا المواطنون في نيالا ماتوا من الغلاء ولكن لم يحفروا قبورهم بأنفسهم بعد، أما الجنينة لا شك أنها الاسوأ حالاً بسبب ذات الاسباب التي ذكرتها أما الفاشر فحدث ولا حرج، كل هذه الجرائم المعيشية يتحمل مسؤوليتها كل المسؤولين في الانظمة السياسية السابقة لأنهم لم يضعوا في ترتيباتهم الاستراتيجية تأمين الطرق ومعروف أية دولة لا تؤمن الطرق لاطرافها لا يتوقع لها الدوام والاستمرارية لأنها الرابط الوحيد بين الشعوب وما حصل للجنوب هو مصير الآخرين، لأنهم لا يحسون بالإنتماء لحكومة لا تشرفهم ولا تقدرهم. أما الانقاذ فتتحمل العبء الاكبر لطول بقائها في الحكم ولكثرة السيولة التي تدفقت بين جنباتها بسبب البترول. فقامت فكرة طريق الغرب والذي سمى بطريق الانقاذ الغربي منذ اكثر من خمسة عشر عاماً ولا زال يقبع في ضواحي النهود في كردفان ومن بعده عُبدت عشرات الطرق التي امتدت لمئات الكيلومترات في بعض مدن السودان.. وعندما يسأل المواطن يقولون خلوها مستورة! والاسوأ أن بداية رأس مال الطريق هو قيمة سكر المواطن الدارفوري يعني ان بعض الجهات اكلت أموال المواطنين التي وضعتها في ميزانية الطريق والحكومة كان ردها شكيناهم لله، وهم الذين اكلوا سُكر الطريق. اتدرون ان المواطن الدارفوري لم يخسر كثيراً لأن هذه المعاناة خصماً من سيئاته يوم القيامة ولكن الذين اكلوا امواله فهؤلاء تخصم من حسناتهم كل هذه المعاناة يوم القيامة. المعاناة الثالثة التي عشتها مع مواطني جنوب دارفور هى مُر الإستفتاء لجنوب السودان الذي نعيشه هذه الايام، فجنوب دارفور تحدها حدود مع جنوب السودان، فالتداخل أكثر مع الجنوب من بقية مدن ولايات السودان الاخرى، كما ان جنوب دارفور لها تداخلات حدودية مع بعض ولايات الجنوب مسكوت عنها في السابق على اعتبار ان السودان دولة واحدة، ومهما غربت او شرقت سحابته فإن خراجها سوف يأتي للجميع أما الآن والجنوب على أبواب الإنفصال فإن امر هذه الحدود سيلتهب اكثر، والشيء الثالث ان اهل جنوب دارفور وبالذات المناطق المواجهة للجنوب لها مصاهرتها وصداقاتها مع كثير من مواطني الجنوب، استطيع ان احكي الآتي قبل اسبوع ونحن في (أبو مطارق) وهى آخر محلية متاخمة للجنوب التقينا مجموعة من أبناء الرزيقات ومن هؤلاء وجدت اثنين يتحدثون مع بعضهما البعض بلهجة دينكاوية سهلة وممتعة جداً اضحكت الجميع والسبب ان لهما حديثاً لا يريدان ان يعرفه غيرهما، والله وددت لو أن هناك مصوراً تلفزيونياً لينقل هذا الحدث، هذه الهموم ذكرتها كمثال يعيشه اهل جنوب دارفور، ولكن بالطبع هذه الهموم الثلاثة، هاجس المعيشة وهاجس الأمن وهاجس الانفصال تعيشها معظم الولايات السودانية كل أملنا وعشمنا ان تعدي هذه الكوابيس بسلام. وأخيراً اقول للاخوة في الحكومة ونكرر لهم ما قلناه سابقاً الجفلن خلهن اقرع الواقفات، والقرع لا يكون إلا بالسياج والزرب أى الزريبة وهذه الزريبة يجب ان يدخل فيها الجميع بمعنى يا اخوتي تشكيل حكومة قومية حقيقية تسع الجميع، ويجب ان يعلم الناس لو كانت هناك حكومة قومية في السابق لما انفصل الجنوب، والآن إن لم نفعل الحكومة القومية فسينفصل الآخرون ولو بعد حين، ويبقى التاريخ يسجل على الجبين ان اللعنة على الانفصاليين من جنوبيين وشماليين. اقول هذا وأعلم ان نسبة الانفصال ستكون اكثر من 09% لصالح الانفصال ولكن هذه لا تمثل رغبة الشعوب وإنما تمثل رغبة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ،لأن الحركة والمؤتمر الوطني لم يصلا الحكم بصندوق الإقتراع فكيف يؤمنان بالفكرة في الإستفتاء.