لم يتأخر رئيس دولة جنوب السودان في الرد على رئيس دولة السودان، وكما فعل الثاني خاطب الأول الناس على الهواء مباشرة عبر شاشة التلفزيون الجنوبي معلنا جاهزيتهم لدخول الحرب، وان كان الرئيس البشير قال ان الحرب راجحة فان ميارديت قال ان الحرب مؤكدة. التأكيد يأتي من كون رئيس الجنوب قال قوله بين يدي قواته المسلحة في قاعدة بلفام العسكرية بمدينة جوبا ، وحين يتحدث الساسة العسكر من مقار قواتهم فان اعلان الحرب لم يتبق فيه شئ، اذ اعلن رئيس دولة جنوب السودان استعداده الكامل للحرب ، وقال انهم سيقاتلون الخرطوم على الحدود ولن ينتظرونها لتأتي اليهم في جوبا أو بور بل سينتظرون جيوش الشمال على تخوم جودة. والترجيح يأتي من كون رئيس السودان قال ان الجو متوتر جدا بين البلدين واقرب الى الحرب من السلام ، مشددا على أن خيار الحرب اقرب الآن وهو ما عده سلفاكير اعلانا رسميا للحرب. واذا تعاملنا بظاهر الأمر فان لهجة التصعيد التي كانت تمر عبر ألسن باقان وعبد العزيز الحلو ونافع وأحمد هارون وصارت تنطلق من افواه الرؤساء تنبئ ان الأمور على حافة الهاوية، وان على الجميع التحسب بصورة كافية لما سيأتي، اذ اننا نكون دخلنا الى السيناريو الأسوأ الذي تحدث عنه الرئيس البشير قبل ايام من استفتاء جنوب السودان على مصيره حين تحدث من جوبا عن ان انفصال الجنوب وتجدد الحرب بين الجنوب والشمال بعد ذلك سيكون هو السيناريو الأسوأ لاتفاقية السلام الشامل، وكما يتنبأ مراقبون فاننا على وشك أن نشهد السيناريو الأسوأ الذي شبهه رئيس وزراء اثيوبيا بيوم القيامة حين تحدث ابان مفاوضات الشريكين قبل الانفصال عن ان العودة الى الحرب بين الشمال والجنوب مثل جميع سيناريوهات يوم القيامة ستكون مروعة بدرجة لا يمكن توقعها». حيث دعا زيناوي وقتها الى العمل من أجل تفادي العودة الى الحرب، ووصف ذلك بسيناريو يوم القيامة. وقال: «هذا سبب يتعين علينا معه فعل كل شيء في استطاعتنا لمنعه من الحدوث لأن البديل سيكون بالغ التدمير ليس للسودان أو القرن الأفريقي فحسب، بل للقارة بأكملها». واذا توغلنا في الظاهر سنجد ان حديث الرئيسين يعني انهما لم يتركا خطوطا للرجوع وان الحكومتين في البلدين لم يعد لهما من خيارات الا المضي قدما في كلام الحرب فلا سبيل الى التراجع عن مواقف اعلى هرمي السلطة، وبالتالي لن تكون المفاوضات المزمعة بعد يومين في العاشر من فبراير الا ساحة لصب مزيد من الزيت على الشرر المتطاير ليندلع اللهيب. اما اذا نظرنا الى باطن الامور فاننا قد نقرأ في تصريحات الرؤساء بحثا مضنيا عن تضمين مطالب كل طرف من الطرف الآخر في جولة التفاوض القريبة وما يليها من تفاوض، فرغم كل ما يلوح الا ان عرى العلاقة بين الطرفين لم تنفصل نهائيا وما تزال تتاورهما رغبة الازواج المتناكفين قبل الطلاق وبعده في التواصل من اجل ابنائهما على الاقل، والابناء هنا حدود مشتركة ومنافع متبادلة وتاريخ طويل عامر بالاحزان والافراح، وكما يقول محللون ينظرون الى العمق ولا يظنون الاشياء هي الاشياء ان حديث الرئيسين عن الحرب بكثافة قد يعني النقيض تماما ف «الذي يتحدث عن الحرب بنبرة عالية انما يريد تحقيق السلام ولكن بمكاسب كبيرة، والعكس صحيح، فالذي يتحدث عن السلام كثيرا يضمر الحرب ويريد للطرف الآخر ان يعلو صوته بالحرب ليخسر المحيطين الاقليمي والدولي، ومن ثم يكسب هو لأن الطرف الآخر يحصل على الادانة أول اندلاع الحرب باعتباره المخطئ والشرّير»، وفي هذا الصدد يشير بعض المراقبين الى ان المجتمع الدولي والاقليمي غير متحمس بتاتا للحرب، لافتين الى تصريحات المبعوث الامريكي الى السودان برينستون ليمان حول ان الوضع في البلدين حال اندلاع حرب سيكون خطيرا جدا وسيشكل تهديدا للاستقرار. ويدرك الطرفان جيدا رغبة الاطراف الراعية لمسيرة السلام بين الطرفين منذ لحظة كتابة حرفها الأول وحتى لحظة رفع علم الجنوب حق الادراك ولذا هما يزايدان على بعضهما البعض من اجل تحقيق اكبر قدر من المكاسب في المفاوضات التي سيقبلان عليها آجلا أو عاجلا، فضلا عن عامل آخر هو ان الطرفين ينظران بعين الأمل في بعضهما البعض وفي ان ينقذ كل واحد منهما الآخر من بعض مشاكله، وهنا يمكننا ان نذكر بحديث المفاوض الحكومي الدكتور امين حسن عمر حول ثقة حكومته في حكومة الجنوب، اذ قال وزير الدولة برئاسة الجمهورية في حوار مع «الصحافة» نشرته على مدى يومين الاسبوع الماضي انه يوجد قدر من الثقة يكفى للجلوس مع حكومة الجنوب، وقال ان التفاوض نفسه قائم على ان هناك درجة من الثقة فى ان الأمر سيكون منتجاً، آملا ان تتوصل الحكومتان الى شئ ، مشددا على انه اذا لم تكن هناك ثقة فلن يذهب احد للتفاوض. وفي باطن الأمور ايضا ان الدولتين، الوليدة والأم، غير قادرتين على خوض حرب الآن، فهما ما تزالان تكابدان مضاعفات الفطام رغم ان فترة الفصال اخذت ستة اعوام وستة اشهر، ويشير المحلل السياسي ابو ذر علي الامين الى سبب من الاسباب الذي يجعل من الحرب احتمالا معدوما وهو العامل الاقتصادي، ويقول في حديثه ل «الصحافة» أمس، ان الحرب بين البلدين غير واردة لاسباب اهمها ان السودان ليس في مقدوره فتح جبهة قتال رابعة تضاف الى النيل الازرق ودارفور وجنوب كردفان مع انهيار الميزانية العامة للدولة، ويشير الى ان الميزانية المنهارة في الشمال تجعل احتمال الحرب يؤول الى الصفر، وكذلك الاقتصاد هو العامل الحاسم بالنسبة لدولة الجنوب التي تنتظرها مهام جسام في تأسيس الدولة وتحقيق التنمية وتلبية احتياجات المواطنين الاساسية، اذن ليس في مقدورها هي ايضا خوض حرب، ويقول الامين ان هذا السبب المباشر سيمنع الدولتين من الوقوع في مستنقع الحرب.