ترى هل سقط تحالف قوى الاجماع الوطني المعارض في فخ الجهل بنصوص الدستور حينما طالبت مكوناته المختلفة بحل البرلمان على خلفية اجازته لزيادة الاسعار التي طالت السلع الاساسية والمحروقات والوقود، وانعكست في شكل ضائقة معيشية يعاني منها المواطن .. أم أن المطالبة موضوعية ومنطقية في ظل الظروف والاوضاع التي يعيشها الشعب السوداني ؟.. ربما ... فالغضبة المضرية التي ابداها تحالف المعارضة إزاء موقف المجلس الوطني الاخير من موافقته على الزيادات قد أعمت البعض أو فلنقل أنستهم حقيقة الوضع الدستوري الذي يحكم فيما يحكم أجل البرلمان المنتخب بكامل عضويته لمدة اربعة أعوام لا تنتهي بالاستفتاء وما يعقبه من وحدة أو انفصال ... وحسب رئيس لجنة السلام والمصالحة السابق بالمجلس الوطني المحامي علي السيد، فان المجلس الوطني وفقا لمنطوق الدستور سيظل مستمرا ومستمدا لشرعيته حتي إذا وقع الانفصال .. ويظل الوضع علي ما هو عليه حتي بعد الانفصال وإخلاء النواب الجنوبيين لمقاعدهم علي ان تظل هذه المقاعد شاغرة إلي حين قيام المجلس الوطني الجديد .. ويمضي علي السيد ليقول لي ان هناك نصا في الدستور فهم خطأ خاصة من قبل قوي المعارضة وهو النص المتعلق باعادة تشكيل الهيئة القومية التشريعية بعد اخلاء النواب الجنوبيين لمقاعدهم بالبرلمان .. حيث يعتبر هؤلاء - اي قوى المعارضة - ان اعادة التشكيل تعني إجراء انتخابات جديدة لاستكمال وملء المقاعد الشاغرة، وهو ما يعتبره علي السيد فهما غير صحيح، فالمقصود طبقا للرجل هو ان يعاد تشكيل الهيئة القومية التشريعية بواسطة قيادة المجلس الوطني ... فمثلا إذا ذهب نائب رئيس المجلس الوطني فان الوضع الصحيح هو تسمية او انتخاب نائب رئيس من الاعضاء الموجودين وكذا الحال بالنسبة لرؤساء اللجان ونوابهم ... ويضيف محدثي ان الدستور يحكم الفترة الانتقالية وتظل بنوده سارية ومستمرة الي حين إعداد دستور جديد وطيلة كل هذه الفترة تصبح المطالبة بحل البرلمان كأنما تعني حل النظام القائم كله أو ما يسمي بالحكومة الانتقالية ... ويختم علي السيد حديثه بعبارة حاسمة أقرب الي السخرية او التندر من موقف من يطالبون بحل البرلمان وذلك حين يقول : « الجماعة ديل كأنهم لم يقرأوا الدستور جيدا أو حتي لم يطلعوا عليه » !! ... حسنا ثمة زاوية أخري في القضية قد لا يتمكن كثيرون من رؤيتها تتعلق بالجزء أو النصف الفارغ من الكوب وهو مدي تأثير انسحاب الجنوبيين من البرلمان والبالغ عددهم 99 عضوا - 91 منهم يمثلون الحركة الشعبية وهل يعد انسحابهم مؤشرا لفقدان وانهيار شرعية المجلس الوطني خاصة وانهم ينوبون عن جماهير عشر ولايات جنوبية ؟؟ فاتيم قرنق نائب رئيس المجلس الوطني لدورتين نيابيتين ومع اقراره بان خروج عضوية الجنوب من البرلمان لا تفقد المجلس الوطني شرعيته حسب الدستور لكنه يعود ليقول لي ان المؤتمر الوطني كان حريصا علي اعداد دستور لا تنتقض ولا تنتقص شرعيته حتي لو انفصل الجنوب في مقابل سكوته _ اي الدستور - عن التحدث عن شكل أو أوضاع الحكم في الجنوب من ناحية قانونية بعد حدوث الانفصال !!.. ويعقد أتيم قرنق مقارنة سريعة ومختصرة بين الاوضاع القانونية والدستورية في الشمال والجنوب ويقول لي ان الحركة الشعبية وضعت دستورا انتقاليا تنتهي مدته مع نهاية الفترة الانتقالية علي ان يعقبه وضع دستور جديد يحكم الجنوب خلال مرحلة بناء الدولة الجديدة ، وكانوا يتوقعون ترتيبات شبيهة بهذا الامر لما بعد 9 يوليو نهاية المرحلة الانتقالية في الشمال وهذا ما لم يحدث حتي الآن .. حسنا ... ثمة تساؤل جديد يفرض نفسه حيال قضية مطالبة قوي تحالف المعارضة بحل البرلمان يتعلق بمواقف القوى السياسية نفسها ... هل هي على قلب رجل واحد كما يقولون حيال مطالبتها بحل البرلمان ؟؟ خاصة وان عضو المجلس الوطني السابق القيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي المهندس محمد وداعة يقول ان القضايا لا تناقش أو تطرح بهذا القدر من « الهتافية » ... ورغم ان محدثي يجزم بانه ليس من أنصار المطالبة بحل المجلس الوطني إلا انه يحاول تقديم رؤية واضحة يتم من خلالها التوافق علي حد أدني من وجهات النظر المختلفة بين الحكومة ومعارضيها وذلك حينما يدعو المؤتمر الوطني للجلوس مع القوى السياسية للخروج بحل لمشاكل البلاد وعلى رأسها مسألة نظام الحكم في السودان وكيفية إشراك الجميع في هذا الحل ... ويقول ان هذا بالضرورة يستوجب شكلا دستوريا جديدا يكون المجلس الوطني ضمن أحد منظوماته التي ينسحب عليها التغيير أو التوافق السياسي .. ختاما .. دعونا نقول ان المجلس الوطني سواء حل أو لم يحل ... وسواء استمر او لم يستمر حتي نهاية دورته فانه من الثابت ان عضويته ومنسوبيه سيتمتعون بكامل مستحقاتهم وحوافزهم ومخصصاتهم علاوة علي استحقاقات نهاية الدورة، ففي الدورة الماضية كان رئيس المجلس الوطني يتقاضي مبلغا وقدره 16 مليون جنيه ونوابه 13 مليون جنيه بينما يتقاضي رؤساء اللجان راتبا شهريا في مستوي وزير اتحادي بواقع 10 ملايين جنيه شهريا زائدا 300 ألف جنيه لفاتورة الكهرباء ومثلها لاستهلاك الهاتف السيار في وقت يتقاضي فيه العضو العادي 3 ملايين و400 ألف جنيه كراتب اساسي يضاف اليه 600 ألف جنيه بدل جلسات لمن حضر !!... وقد استلموا مستحقات الدورة السابقة بمبلغ اجمالي وقدره 47 مليون جنيه لصالح رئيس اللجنة و25 مليون جنيه للنائب العادي ...وللعلم فان عضوية المجلس الوطني يصل عددها الي 450 نائبا برلمانيا .. ودعوني أقول ان جملة ما يتقاضاه نواب المجلس الوطني في الدورة قبل الماضية كان يتجاوز العشرة مليارات جنيه شهريا «بالقديم»، والان دعونا نتساءل كم تصل ميزانية المجلس الوطني لهذه الدورة التي لم ينته نصفها حتي الان ؟ وهل ما يتقاضاه النواب المعينون او المنتخبون يتماثل ويتكافأ مع ما يقدمونه لصالح الجماهير التي انتخبتهم أم يأتي ضد مصلحة الشعب الذي يتضرر من سياسات كان من المؤمل ان يقف أعضاء البرلمان ضدها لا العمل علي إجازتها ودعمها دون تقديم مبررات تقنع الشعب فعضو المجلس الوطني الحالي الزهاوي ابراهيم مالك يؤكد انهم صوتوا لصالح الزيادات لانها الخيار الاوحد للخروج من الأزمة المالية !!..