خطاب الرئيس الراحل عبد الناصر الشهير والأطول الخاص بتأميم ( قناة السويس) في عيد الثورة الخامس 26/ 7/ 1956م بدأه ب أيها المواطنون: نحتفل اليوم باستقبال العيد الخامس للثورة باستقبال السنة الخامسة للثورة، بعد أن قضينا أربع سنوات نكافح ونجاهد ونقاتل للتخلص من آثار الماضي البغيض للتخلص من آثار الماضي الطويل للتخلص من آثار الاستعمار الذي استبدّ بنا قروناً طويلة، وللتخلص من آثار الاستبداد الذي تحكم فينا، وللتخلص من آثار الاستغلال الأجنبي والاستغلال الداخلي) . والخطاب طويل جداً ومشهور يشرح فيه الأزمة والجولات الطويلة بين حكومته والبنك الدولي والولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا ومناورات معارك الارتهان الخفية والعلنية من أجل التبعية والذل والهوان والتي يود ( ناصر) التحرر منها، وتحدث طويلاً عن الصعاب التي جابهتهم لتمويل السد العالي الأمر الذي دفعه لاتخاذ قرارٍ بتأميم ( قناة السويس) . وقد يكون القرار الرئاسي هذا عادي من قبل قائد الثورة ولكن غير العادي فيه هو ماوراء التنفيذ والإجراءات التي أُتبعت لتنفيذ القرار قبل إصداره ودراسته، و( لكاشا) و( كرتي) أسوة حسنة فيه. كلّف الرئيس الراحل ( عبد الناصر) محمود يونس بالاستيلاء على شركة قناة السويس لثقته الخاصة فيه ولزمالته إياه إبّان هيئة الأركان قبل الثورة، وكان عليه إعداد خطة متكاملة قبيل خطاب الرئيس في ليلة -26- يوليو-، وكانت كلمة السر في خطاب الرئيس هي ذكر كلمة( ديليسبس) ، ولتخوف عبد الناصر من أن تمر الكلمة دون أن يفطن فريق ( العملية) لها رددها خلال الخطاب( 16) مرة، والمتفق عليه أن ( محمود يونس) ومعاونيه عندما يسمعون هذه الكلمة ساعة أن يكونوا متحلّقين حول ( الراديو) كلمة السر المتفق عليها، على الفور أن ينتفضوا والكلمة سوف ترد ضمناً من خلال خطاب ( عبد الناصر) والمتفق عليه أن ذكرها بمثابة الإذن الرئاسي وساعة الصفر للبدء في الإنفاذ والانطلاق، وقد وضع قائد المنطقة الشرقية نفسه تحت إمرة ( محمود يونس) بناءاً على أوامر ( عبد الناصر) وقتها،- فاستوليا على مقر الشركة، وفي مذكرات ( محمود يونس) ذكر أنه أخذ قليلا من الرجال لأنه كان يرى أن السريّة هي العامل الأكثر أهمية والكفيلة بنجاح العملية- ولم يكن يعلم بحقيقة المهمة من بين معاونيه غير ( ثلاثة) أفراد هم ( يونس وأبو بكر وعزت عادل) والباقون قيل لهم إن لديهم عملية سريّة لا يمكن أن يسألوا خلالها عن أيّ تفصيلات وكان الفريق يتكون من 29 شخصاً، الوقت الذي أخذته العملية منذ بداية التخطيط والإخطار حتى ساعة التنفيذ 55 ساعة، ويقول أبو بكر: وجلس الجميع حول الراديو يستمعون إلى الخطاب، حتى قال عبد الناصر بالحرف « ( وحينما وصل ( يوجيه بلاك) وهو مدير البنك الدولي وابتدأ الكلام عن تمويل السد العالي والحديث لعبد الناصر - كنت أنظر إليه وهو جالس على الكرسي وأتخيل أنني أجلس أمام ( فرديناند دليسبس) .. ، ومن هنا بدأت ساعة الصفر بعد سماع هذه الكلمة المتفق عليها من خلال الراديو حينما كان ( فريق العملية) على مقربة من شركة القنال. وما أن انتهى الرئيس عبد الناصر من خطابه حتى كانت شركة ( قناة السويس) مصرية وتحت سيطرة جمهورية مصر العربية بالكامل. ومحلياً ذُهلت من مشهد مباراة رسمية في السودان في إدارة الشأن العام والعالم من حولنا يشهد الزلازل والبراكين الشعبية والقرارات الدولية والأممية والانتفاضات الثورية الشعبية من المحيط إلى الخليج، والتدخل الدولي علناً تحت ضوء النهار في الوطن العربي، ونحن نشهد فقرة في مسرح إدارة الدولة على طريقة ( كاشا وكرتي) في شأن البلاد والعباد ( تهمة) لوالي ولاية جنوب دارفور من قبل الخارجية السودانية وكأنّ السجال بين معارضة وحكومة في نظام برلماني، ومن على صفحات الصحف أعلن الوالي تحريك إجراءات قضائية في مواجهة وزارة الخارجية على خلفية اتهام الأخيرة له بتهديد مصالح الدولة العليا، في أعقاب قراره بطرد منظمة ( أطباء العالم) الفرنسية، الوالي يتهم الخارجية بإلحاق الضرر وتهديد مصالح الدولة العليا لتباكيها على ( المنظمات العميلة) وأنه ليس موظفاً لدى وزارة الخارجية، وفي تصريح توعد الوالي ( كاشا) وزارة الخارجية ( كرتي) برد كرامته لاتهامها إياه بأنه يُهدد مصالح الدولة العليا وعلى الجهات المسؤولة في الدولة وضع حد للوزارة وموظفيها ومنعهم من التدخل في شؤون الولايات الأمنية، والناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية ينتقد في تصريح صحفي تصريحات والي جنوب دارفور عبر بيان باسم الوزارة.. والسجال طويل ومستمر.. وفي أدبيات التعاطي الرسمي المعهودة مراسمياً أن يُراعي الوالي حرج الوزير كما على الوزير مراعاة موقف وسيادة وصلاحيات الوالي المنتخب التي هي من صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية.. قد يكون الوالي ( عبد الحميد موسى كاشا) والي جنوب دارفور مُحقاً في إدعاءاته المؤكدة بالأوراق الثبوتية كما أن وزير الخارجية الأستاذ ( على أحمد كرتي) أيضاً ( محق) من موقع مسؤوليته على رأس وزارة الخارجية والتي هي خط الدفاع الأول ومن منطلق حرصه على تقديم صورة ذهنية عن سودانٍ مشرقٍ في أبهى صورة للعالم.. نعم قرار الوالي قد ينسف مجهودات وزير الخارجية والوزارة ولكن في النهاية لا تُدار أمور ( الشأن العام) عند أصحاب القبيلة الواحدة في الحكومة الواحدة بهذا الشكل على طريقة تقاذف الاتهامات من على صفحات الصحف، التي أحوج ما يكون المتربصون الباحثون لها بين ( هللولة وهلامية راكوبة أبوك كان خرْبت) ، ليس عن ( شليّة) وإنما عن شرارة، وشتان في أمر معالجة القضايا القومية ما بين منهجي ( كاشا) و( كرتي) من جهة، والمنهج العروبي القومي والأممي لعبد الناصر.. [email protected]