٭ تخيلوا معي لو أن (ثوار) السودان كانوا قد تقدموا بطلب للسلطات لنيل تصديق بالخروج في تظاهرة سلمية في شهر اكتوبر من العام (64م).. ٭ ولو أن (ثوار) السودان في شهر أبريل من العام (85م) كانوا قد فعلوا الشئ نفسه.. ٭ ولو أن ثوار مصر - بالأمس القريب هذا - رفضوا الخروج ما لم يصدِّق لهم جهاز مباحث أمن الدولة وحبيب العادلي.. ٭ ولو أن ثوار تونس.. ٭ وثوار اليمن... ٭ وثوار ليبيا.... ٭ وثوار الأردن... ٭ تخيل لو أن أولئك جميعاً قرروا اتباع الطرق القانونية والدستورية - حسب فهم أنظمة بلادهم لها - حتى ينالوا شرف التصديق بتظاهرات احتجاجية.. ٭ استطعت أن تتخيل؟!... ٭ إذاً أنت ترى بعيني خيالك الآن أحداثاً بخلاف تلك التي سطرها التاريخ في دفاتره.. ٭ ترى كلمات مقتضبة سطرتها الشرطة في دفاترها تفيد برفض التصديق بتظاهرة إحتجاجية في شهر اكتوبر (64م).. ٭ وكلمات مثلها تماماً في شهر أبريل (85م).. ٭ وأخرى شبيهة لها - بمصر - في شهر يناير الماضي.. ٭ ورابعة مستنسخة - باليمن - في شهر فبراير المنصرم.. ٭ وخامسة ب(ضبانتها) - بليبيا - في شهر فبراير أيضاً.. ٭ أي أنك لن ترى ثورات شعبية ولا يحزنون.. ٭وسوف ترى - عوضاً عن ذاك - الأنظمة التي أخبرنا التاريخ بزوالها عبر انتفاضات شعبية قاعدة - بسلامتها - إلى حين أن يأذن الله لها بزوال (طبيعي!!) ٭ فنظام عبود لم يُزل في الحادي والعشرين من اكتوبر من العام (64م).. ٭ ونظام نميري لم تكن نهايته في السادس من أبريل من العام (85م).. ٭ ونظام بن علي لم يسقط عقب قول رئيسه: (الآن فهمتكم).. ٭ ونظام مبارك موجود الآن بكامل عافيته دون أن يظهر عمر سليمان و(الراجل اللِّي وراه).. ٭ ونظام القذافي منتشرةً لجانه الثورية في كل (زنقة).. ٭ وسبب رؤيتك لواقع (إفتراضي) مغاير لذاك الذي أراك له التاريخ هو أن الأنظمة هذه جميعاً تتشابه كما التوائم.. ٭ أي الأنظمة السلطوية الشمولية الاحادية.. ٭ لا تقل لي هذا نظام إسلامي، وذاك علماني، وآخر (ماعرفش إيه).. ٭ كلها تتشابه.. ٭ كلها (تكنكش)، وتقهر، وتكبت، وتسجن، وتعذب، وتقتل.. ٭ ثم جميعها - ويا سبحان الله - تشترط الحصول المسبق على تصديق شُرُطيٍّ لأية تظاهرة ليس الهدف منها ترديد شعاراتٍ خلاصتها: (يا ريسنا، إيه الحلاوة دي؟!).. ٭ فإن لم يكن هذا هو الهدف من التظاهرة فنجوم السماء أقرب لأصحابها من إمكان الحصول على التصديق المرتجى.. ٭ أو ربما يكون أسهل من ذلك (لحس الكوع) أو رؤية (حلمة الأذن).. ٭ فهو تصديق - كما ذكرنا قبلاً - احتمالات الظفر به أكثر ندرة من (لبن العصفور).. ٭ وأكثر استحالة من الغول والعنقاء والخلّ الوفي.. ٭ طيب؛ ما بال إخوان لنا هنا في السودان لم (يقطعوا العشم) بعد في إمكان أن تجود عليهم الشرطة بتصاديق نسمع بها ولا نراها.. ٭ هل منكم من رأى أبداً (شكل!!) هذا التصديق؟!.. ٭ والسؤال هذا - للعلم - موجه فقط لأصحاب (النوايا!!) في تظاهرات احتجاجية.. ٭ لا أظن أن أحداً منكم رآه - ولن - رغم أن (دستور!!) جمهورية السودان ينص صراحة على الحق في التظاهر الإحتجاجي السلمي.. ٭ وهل لم تكن (سلمية!!) تظاهرات اكتوبر وابريل رغم عدم اضاعة شباب تلكم الأيام وقتهم انتظاراً لتصاديق ما كانوا ليحصلوا عليها أبداً؟!.. ٭ ولكن شباب هذه الأيام يبدو أنهم (مؤدبون خالص!!).. ٭ فهم يتقدمون بطلبات لل(سماح!!) لهم بالتظاهر بكل أدب.. ٭ ويتقبلون الرد الرافض - كالعادة - بكل أدب.. ٭ ويعودون إلى منازلهم بكل أدب.. ٭ ولكن نفراً منهم - ويا للغرابة - لا يتحلون بالأدب هذا حيث مخاطبة كاتب هذه السطور ازاء قضية اغتصاب (صفية).. ٭ فهم يصفونه بكل (قلة أدب!!) بالجبن.. ٭ ثم لا يجدي معهم أن نطالبهم بالصبر حتى يتوافر لدينا من الأدلة ما لا يجعلنا نقف مثل (حمار الشيخ في العقبة) في ساحات القضاء.. ٭ ولو كان هذا الصبر يعادل فقط (ربع!!) صبرهم إنتظاراً لما قد (تتفضل!!) عليهم به السلطات من تصاديق للتظاهر.. ٭ وعندما لم يُجدِ معهم (أدبنا) هذا أُضطررنا إلى مخاطبتهم بلغة (الأدب) الذي يفهمونه.. ٭ قلت لهم إننا حين كنا شباباً في مثل أعماركم، ورأينا من نميري ما يسوؤنا، لم ننتظر تصديقاً بالتظاهر من الأجهزة المختصة.. ٭ ولو كنا فعلنا لما كانت ثورة أبريل.. ٭ فلم لا تفعلون مثل الذي فعلنا ما دمتم ترون في الإنقاذ ما يسوؤكم؟!.. ٭ أو مثل الذي فعله رصفاؤكم في مصر وتونس؟!.. ٭ أو مثل الذي يفعله إخوان لكم في اليمن وليبيا والجزائر هذه الأيام؟!.. ٭ هكذا قلت لهم.. ٭ فبُهِت الذين (يتأدبون!!!) أمام الإنقاذ.. ٭ و(يتحنفشون!!!) أمامنا نحن.. ٭ ورغم ذلك فإن لي موعداً مع صفيَّة لن نخلفه بإذن الله. ٭ فمن لم يخش (مايو) وهو مقبلٌ على الدنيا.. ٭ لا يمكن أن يخشى (الإنقاذ) وهو عنها مدبر.