من الواضح ان قرار حظر الطيران وتبعاته فوق ليبيا الذي اصدره مجلس الامن الدولي امس ستكون له انعكاسات كبيرة على كافة دول منطقة شمال افريقيا وما جاورها ، فالقرار جاء لحماية المدنيين الليبيين العزل الذين ظلوا يتعرضون للقصف الشديد دون ان تكون لهم القدرة على صد الطائرات المغيرة،وبحسب المداولات التي جرت في مجلس الامن الدولي فإن القرار يعتبر بمثابة اعلان دولي ومواجهة صريحة بين المجتمع الدولي والحكومة الليبية، ربما يفضي في غضون ايام او اسابيع الى تفكيك نظام حكم القذافي وابداله بحكومة انتقال وطنية تمهد لاقامة انتخابات حرة ونزيهة لاول مرة في تاريخ ليبيا ، وبالتالي القرار يشكل سابقة عسكرية دولية تهدد كافة حكومات المنطقة التي تعاني من صراعات مسلحة كالتي تحدث في دارفور تحديداً . نعم ان قرار حظر الطيران ستكون له ابعاد خطيرة علي السودان بالقدر الذي يفهمه المحللون العسكريون والسياسيون السودانيون ، ان قرار الحظر يمنح الثوار في دارفور فرصة جديدة للمناورة خاصة وانهم طالبوا قبل فترة المجتمع الدولي بفرض منطقة حظر جوي على دارفور تقيهم ما قالوا بخصوص قصف الطيران الحكومي للقرى التي تقطنها قوميات اؤلئك المسلحين . بيد ان اخطر ما افرزه قرار حظر الطيران فوق ليبيا على المستوي العالمي هو شيوع ثقافة عالمية كاسحة تعتبر ان الحفاظ على حياة المدنيين اصبحت اولوية قصوى يمكن بموجبها اختراق وتكسير سيادة الدول بدون استئذان ، والاخطر انه اصبح بمقدور كافة المدنيين في كافة دول العالم الاستنجاد بمجلس الامن الدولي والضمير العالمي وضمان الاستجابة دون شعور بأنها استنجدت بالاجنبي او ارتكبت جريمة ضد الوطن الذي تسيطر عليه العصابات والبلطجية وحكومات اللصوص واقرباؤهم ، نعم انتفت اليوم مع شيوع الثورات الشعوبية ثقافة ( الوطنية الزائفة ) لتحل محلها العالمية وهي من افرازات العولمة غير المنظورة، ومن الواضح ان قرار حظر الطيران فوق ليبيا سيعجل بحلول جذرية لازمة دارفور في السودان لاعتبارات كثيرة ليس من بينها بالطبع نجاح الاطراف التي تتفاوض في الدوحة في يجاد صيغة مثلى لانهاء الصراع في دارفور ، بل يمكن التكهن بأن منبر مفاوضات الدوحة اصبح بعد قرار حظر الطيران فوق ليبيا مهدداً بالزوال ان لم تكن المحادثات الجارية حالياً هي الفرصة الاخيرة للحكومة للتوصل الى سلام على خلفية شيوع ثقافة الإسناد العالمي للمضطهدين من قبل حكوماتهم - ثوار ليبيا نموذجاً - وما يمكن ان تحمله الايام من تمديد مجلس الامن الدولي لقرار الحظر ليشمل اقليم دارفور . ولكن ومع ذلك يبقى مهماً ان تتحصن الجماهير في دول المنطقة من مغبة التفاجؤ بفداحة فاتورة السماح طواعيةً بالتدخل الاجنبي في الشؤون الداخلية لبلدانهم ، لكل شئ ضريبة وضريبة التدخل في ليبيا معروفة حيث يستفيد الغرب من وضع اليد على المفاعلات النووية الليبية والتأكد من عدم استخدامها في الاغراض العسكرية مستقبلاً او تهديد دولة اسرائيل . لقد جربت بعض حكومات المنطقة الاستعانة بالمنظومات الدولية وسمحت للقوات الاجنبية بالتواجد داخل التراب الوطني - السودان نموذجاً - ومن البديهي ان يتخذ المجتمع الدولي تلك السابقة والخطوة باعتبارها تنازلاً له ما بعده بحيث لا تستطيع هذه الحكومات مستقبلاً الاعتراض على اية خطوة او ترتيب ينتهك السيادة الوطنية كما حدث في ليبيا عقب صدور القرار وترحيب القذافي وابنه بالرقابة الدولية على الطيران الليبي . نعم ان ضريبة التدخل الدولي في ليبيا معروفة ويبقى علينا حكومة ومعارضة في السودان ان نفهم قبل بروز قرار تمديد وتطويل قرار الحظر ليشمل دارفور ان نتحصن بالمعرفة الكافية للنوايا الاجنبية المتعلقة بتقسيم السودان الى دويلات معزولة عن بعضها ومتباغضة بحيث لا تعود الى الاتحاد مجدداً .