نتابع بحرص بالغ التطورات السياسية التي تمر بها بلادنا، فقد أحدثت أجواء الانتخابات تغييرات كبيرة في روح الخطاب السياسي الذي يتعاطاه الساسة مع المواطنين، خطباً لودهم وكسباً لأصواتهم، والمواطن الذي كان نسياً منسياً قفز إلى صدارة أولويات السياسيين ولو إلى حين ..!فمن كان يخاطبهم بمقولة «الزارعنا غير الله الليجي يقلعنا» تغير أسلوبه وأصبحت العبارة «إذا الشعب قال ما دايرنا بنحييهو وننسحب» فالمناخ الديمقراطي يغير كثيراً في لغة الحوار بين القاعدة والهرم. وأكثر ما لفت نظري تلك الوعود البرَّاقة التي أطلقها بعض الناخبين، فقد سمعت بأن أحدهم وعد بتحويل مجرى النيل ليصب في الولاية الشرقية، ويحل إشكالات شح المياه في الولاية حال فوزه بالرئاسة..!! وآخر وعد بأن يجعل السودان منطقة خالية من الملاريا..!! إن كان هؤلاء لا يملكون عصا موسى فليحترموا عقولنا خاصة جيلي والجيل الذي يليني، فهي المرة الأولى التي نشهد فيها عملية انتخابية بإمكاننا المشاركة فيها.. فقد نفهم أن يطرح كل مرشح برنامجه، لكن ما لا نتصوره أن يتضمن البرنامج مثل هذه «الخزعبلات»..!! وقد ذكرتني هذه الوعود الخيالية ما أوردته الروايات التاريخية عن أن أحد المرشحين للرئاسة الأمريكية خطب في المواطنين وأطلق وعوده بأن المواطن الأمريكي سيكون له بيت «حدادي مدادي» أشبه بالقصر..! وبعد سقوط المرشح في الانتخابات سألته الصحافة: كيف كان سيجعل لكل مواطن بيتاً؟ فقال ببساطة: «كنت أقصد البيت الأبيض يا أعزائي.. ألم يكن لكل مواطن أمريكي حق فيه باعتباره ملكية عامة للشعب..؟!» مجازاً.. نعم هو ملكية عامة ولكل مواطن حقه فيه، لكن حقيقة وواقعاً إذا اقترب أي مواطن أمريكي من أسوار هذا البيت سيعرض نفسه للاعتقال والمساءلة الأمنية عن نواياه..!! واعتقد أن كثيراً من وعود مرشحينا هذه الأيام تعمل وفق منطق هذا المرشح المراوغ. كما أعاد لذاكرتي انتخابات اللجان الشعبية في الأحياء، فمع اقتراب موعد الانتخابات لدورة جديدة جاء إلى بيتنا مرشح اسمه «سراج» -إذا لم تخني الذاكرة - فطفق يعد ويعدد ما سيؤول له حالنا إذا دعمنا إعادة ترشيح قائمته بأصواتنا، ووعدنا بأن ينشيء لنا مشروعا صغيرا للاكتفاء الذاتي من اللحوم، قال سيأتي لنا بكمية من الحمام لتربيته والإفادة من لحومه، فجلس يعدّد أفراد الأسرة، وقال بصريح العبارة «كل واحد فيكم ح يأكل جوزين حمام في الأسبوع» فسعدنا بهذا السخاء، وشرعنا في تشييد القفص الذي أصبح- فيما بعد - خير مسكن للقطط التي لم تجد فيه مبتغاها..!! وسقطت قائمة سراج في الانتخابات، ومنذ ذاك اليوم «لا شفنا الحمام ولا شفنا سراج»..!! أيها المرشحون الباحثون عن الكراسي والأضواء بأصواتنا.. هناك الكثير مما يحتاجه الناس بلا مبالغات و«أحلام زلوط».. ابحثوا عن أصوات داعمة في كل قضية ستجدونها حتماً.. وسط خريجي الهندسة والعلوم الذين أصبحوا من أمهر سائقي الرقشات والأمجاد.. أبحثوا وسط عشرين ألف طبيب بلا عمل في بلد تعاني مشافيه الحكومية من نقص الكوادر الطبيَّة وأبسط وسائل التطبيب.. ابحثوا بين المظاليم وما أكثرهم في هذا الزمان... صدقوني لن تعدموا الأصوات إن كانت رؤيتكم مقنعة وبرامجكم واقعية وعقلانية وقابلة للتطبيق. أيها المواطن.. أنت الآن في أعز أيامك.. الكل يستقطب ودك وطلباتك أوامر.