في خلال مواسم الانتخابات، بالدول التي تعقد بها انتخابات دورية حتى وإن كانت صورية، يقوم معظم السكان بإطلاق النكات. فحالما يرون أرجل المرشحين وقد بدأت تزور المنطقة وتخطب فيهم، فيدركون أن موعد الانتخابات قد اقترب. في خلال تلكم الأيام، تشتعل حرب ضروس بين المرشحين المختلفين، وتنطلق الوعود فتصير كالبالونات تحلق أحلاما فوق سماء المواطنين.. ولكن، ما أن تنتهي الانتخابات حتى يختفي الفائز عن أعين الناخبين الذين أعطوه صوتهم.. ولا يظهر إلا بعد عدة سنوات أخر يحين فيها موعد التصويت للانتخابات الجديدة. وتثير تصرفات الناخبين حنق المواطنين وغضب الصحافة التي تشاهد المواطن وقد تبخرت أحلامه في الهواء. فتبدأ تكتب وتنتقد بقدر ما تتمكن وتحاول أن تشعر الناخب بمسؤولياته ومهامه.. بل وتحاول أن تشكل وسيلة ضغط على الحكومة بأكملها لكي تحس بآلام المواطن فيهرعوا لتقديم العون له. لكن انقلبت هذه الآية وانعكست هذه الصورة في خلال الأيام السابقة بالولاياتالمتحدة. فلقد عملت حكومة الرئيس (أوباما) ولأكثر من عام على إقناع الشعب الأمريكي بأهمية إحداث تغيير في برنامج الرعاية الصحية. وكانت المهمة صعبة، فقد حاول أكثر من رئيس ولمدة أربعين عاما كاملة إحداث تغيير في نظام التأمين الصحي ولكن بلا جدوى.. فهنالك أولا الشركات المنتفعة بان يظل الوضع على ما هو عليه.. فالآن يحق لها زيادة القسط السنوي بأية نسبة تريد بالإضافة إلى احتفاظها بحقوق توفير أساليب علاجك من عدمه مستخدمة كل الوسائل الأخلاقية وغيرها.. هنالك أيضا أسباب سياسية، فبالرغم من أن أول من حقق نظاماً صحياً أمريكياً متجدداً هو الجمهوري (ميت رومني) وقد أقنع به سكان ولايته (ماسيتيوشست) إلا وانه وحالما حاول الديمقراطيون تمرير نظام صحي على مستوى الولاياتالمتحدة بأكملها حتى انتفض الجمهوريون -بما فيهم (رومني) - وقاموا بمهاجمة ذات النظام الصحي الذي كانوا يدعون ويبشرون بتغييره. ولكن بالرغم من كل هذه العقبات، فلقد قامت الحكومة الأمريكية بالعمل بأقصى جهدها من أجل تمرير قانون الرعاية الصحية الجديد.. وقد نجحت فعلا في يوم الأحد الحادي والعشرين من مارس 2010. وبعيدا عن قوانين الولاياتالمتحدة للرعاية الصحية، فلقد وجدت أن هنالك مفارقات عجيبة. لقد ظل مكتب البيت الأبيض الإعلامي يرسل الرسائل للشعب الأمريكي وخاصة أولئك الذين سجلوا أسماءهم لمعرفة تحركات المرشح اوباما - في ذلك الوقت- على البريد الإليكتروني ليحث ملايين المواطنين للكتابة والاتصال بمرشح دائرتهم لكي يخطروه برغبتهم في التصويت الإيجابي على قانون الرعاية الصحية.. بل وقد صارت تصلني رسائل على (الموبايل) أكثر من مرة في اليوم تحثني على الضغط على مرشح الانتخابي وتمدني بكافة وسائل الاتصال بمكتبه.. وتعجبت على المفارقة، فبينما نسعى نحن للوصول إلى مرشحينا في الدوائر المختلفة وبينما نسعى للضغط على الحكومة لكي توفر لنا حياة أفضل، ترسم الحكومة هنا صورة معكوسة وتقوم هي بتحريك المواطنين وحثهم على المشاركة في الحياة السياسية وبل تدعوهم إلى الضغط على منتخبيها لكي يمدوا الشعب بوسائل أفضل لحياة كريمة.. إذا كان انعكاس الصورة يعني مستقبلا أفضل، فياليت الصور تستمر دوما (مقلوبة) وفي يوم لا (تتعدل)!!