أكثر من أربعين عاما مرت على العم أحمد بخيت، وهو يعمل ممرضا، حيث بدأت رحلته في عالم التمريض بالسودان عام 1964م متدربا في مستشفى أبو عشر، وهو مستشفى عريق أسسه البريطانيون عام1972م على باحة واسعة شمال كنار أبو عشر، ليتعالج فيه مئات الآلاف من أبناء منطقة شمال غرب الجزيرة، ومن أبو عشر إلى المسعودية، إلى قرية أفطس العوامرة في شمال غرب الجزيرة، عمل أحمد بخيت أو «القرعي» كما كان أهل أفطس يطلقون عليه، ومن أفطس إلى سقف العالم، حيث شد حاج أحمد الرحال إلى مصر، ثم إلى الرياض، ليلتحق بوزارة الصحة السعودية ممرضا بمستشفى الشميسي الشهير الذي تحول اسمه إلى «مدينة الملك سعود الطبية» قبل فترة وجيزة. ٭ سألنا أحمد بخيت: لماذا العمل في التمريض؟ التمريض مهنة إنسانية، ويكفي أننا نسهم في علاج الناس وفي إسعافهم ومتابعة علاجهم، فالصحة غالية، وخدمتها واجب ديني وأخلاقي. ما هي ذكرياتكم في هذه المهنة؟ أجمل ما في ذاكرتي السنين التي قضيتها في قرية أفطس التي تقع بالقرب من ري كاب الجداد، في شمال غرب الجزيرة، وهي ذكريات لن تنسى، فقد كان الناس طيبين وكرماء، وكانوا يقدرون من يخدمهم، كما أنني زاملت ورافقت نفراً أعزاء هناك، من ضمنهم المساعد الطبي في أفطس محمد عبد الرحمن، وكان ذلك عام 1967م، ومازلت أحن للأيام التي أرجع فيها من أهلي، وأصل إلى ري كاب الجداد، وكان لنا قريب يعمل فيه هو المهندس محمد علي حولي، الذي كنت أتوصل معه إلى أفطس التي لا تبعد كثيرا عن ري كاب الجداد حيث مكان عمله. كما لا أنسى ذهابي للمعيلق، حيث رئاسة الريفي أو البلدية، لاستلام الراتب أو «الماهية»، وكنا نذهب بالقطار، حيث لم يتم افتتاح طريق الخرطوم مدني وقتها. متى التحقت بالعمل هنا في مستشفى الشميسي بالرياض؟ قبل ثلاثين عاماً تقريباً. ٭ وكيف كانت الرياض حينها؟ كانت الرياض في حركة بناء، وكان المغتربون السودانيون محدودي العدد تقريبا، وكان التواصل بينهم كبيرا، لكن التواصل مع السودان كان عن طريق الخطابات، حيث لم تكن الاتصالات الهاتفية متوفرة كما هم الحال الآن، وكان دكان عثمان إدريس، يمثل المحطة التي نلتقي فيها بالسودانيين. ٭ من عمل معك من الأطباء السودانيين في مستشفى الشميسي؟ عدد كبير، أذكر منهم، المرحوم د. كمال عربي، ود. حسن سعيد، ود. سيد سعيد غرباوي، ود. ميرغني سليمان، ود. عمر مدني، ود. حسين حسن، ود. سميرة عوض ساتي، ود. عمر أحمد حمزة «العيكورة». ود. حسب الرسول بابكر وزير الدولة بوزارة الصحة، وهو من أبناء الجديد خليف بشمال غرب الجزيرة. مَنْ تذكر مِنْ زملائك الممرضين رافقك في الشميسي؟ هناك مدثر يوسف وعلي محمد علي المحينة ومحمد صديق فزاري وخضر السر وعمر علي عوض الكريم. ماذا أعطتك هذه المهنة؟ وما الذي تود قوله في هذه الفرصة؟ المهنة أعطتني الفرصة لخدمة الناس، وهذا أمر يسعدني، أما كلمتي فهي للمسؤولين في بلادنا أن يهتموا بالمغتربين، خاصة من أمضوا سنوات طويلة خارج الوطن، دون أن يجدوا حافزا يقدم لهم، مثل الإعفاء الجمركي للسيارات، أو منحهم قطعة أرض، أو الاستفادة من خبراتهم، واستيعابهم في وظائف لتستفيد البلاد من خبراتهم. ولا يزال أحمد بخيت شاباً، ونشطاً في عمله، متعه الله بالصحة، فهو نموذج لأبناء السودان العاملين في الخارج، الذين يجب أن يجدوا شيئاً من الوفاء يخلد بعضاً من عطائهم النبيل.