لقد قُضى الامر تماماً ، فالامور تسير على مايرام بالنسبة لوفد حزب الامة القومي الذي كان خارجاً لتوه من تنوير لاعضاء مكتبه السياسي، بماتم من إتفاق مع المؤتمر الوطني الحاكم ،فعلى الرغم من أن الامين العام للحزب الفريق صديق محمد إسماعيل قد أبلغ (الاحباب) بأنهم قد توصلوا إلى إتفاق مع الوطني على خمس نقاط فقط من جملة خمس عشرة نقطة تفاوضية ،إلا أن ثمة نقطة رئيسية ومحورية تماماً كانت هي الاهم ضمن الخمس نقاط المتفق عليها ، فقد إتفق الطرفان على تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية التي إن لم تكن من الخمس (المنجيات) لربما وقع حزب الامة القومي ضمن دائرة من توعدتهم كتائب الوطني الاستراتيجية أمس بالسحق والتسوية بالارض ، بيد أن الإفلات من مطرقة الوطني غير كاف تماماً في حالة حزب الامه ،لان سندان تحالف المعارضة في الانتظار ،فعندما نشرت (الصحافة ) تفاصيل وثيقة حوار الامة والوطني صباح أمس ،كانت قيادات الستة عشر حزباً المتبقية من تحالف المعارضة تنتظر بقلق بالغ المساء ،ليس لمناقشة أجندته التي رفعت من إجتماع الثلاثاء الماضي المؤجل والمتمثلة في تحديد سقف زمني لحوار الامة والمعارضة مع الوطني ، بل لوضع أجندة جديدة تتسق وماتسرب من معلومات عن وثيقة تقرير قدمه صديق محمد إسماعيل لمكتبه السياسي فيما يتعلق بحوار الاجندة الوطنية مع المؤتمر الوطني ، وبحسب التقرير،فقد اتفق الطرفان على تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية على اساس جغرافي غير شخصي ،مع الاتفاق على الشريعة والعرف كمصادر للتشريع، والمواطنة كأساس للحقوق والواجبات، والشعب مصدر السلطة وله أن يختار الرئيس والجهاز التشريعي، وهيئته المنتخبة التي تُشرع.تلك إذاً هي النقاط التي إتفق عليها الامة مع الوطني ،حتى قبل أن يجلس إلى حلفائه الستة عشر الذين حدد لهم مساء أمس الاربعاء كموعد نهائي لابلاغهم بالموقف الاخير لحواره مع الحكومة .وإن كان كثيرون في صفوف المعارضة قد تفاجأوا بتفاصيل الوثيقة التي تبين أن حوار الامة الوطني قد قارب على نهاياته، بعد أن حُسمت أبرز محاوره ،إلا أن هنالك من تلقوا النبأ ببرود ليعودوا بذاكرتهم إلى الوراء قليلاً ،عندما كانوا يرتبون أنفسهم وقواعدهم للخروج مع حزب (الامام) في تظاهرة السادس والعشرين من يناير الماضي ،التي كان من المقرر أن يعلن فيها الصادق المهدي وحزبه الانضام إلى صفوف الداعين لاسقاط النظام ،ليفأجأوا بالرجل وأركان حربه قبل المظاهرة بأربعة أيام فقط ،على شاشة التلفزيون الرسمي ، يتبادلون الابتسامات والقفشات والنوايا الطيبة مع رئيس المؤتمر الوطني ومساعديه ،لتتحول غضبة السادس والعشرين من يناير إلى غرف الحوار المكيفة بدلاً عن لهيب الشوارع وزفير غضبها . لكن ليس كل ماُطرح داخل هذه الغرف المغلقة كان مصيره كمصير الخمس نقاط المتفق عليه ،فهنالك ضعفها من (الاجندة الوطنية) التي لم تُحظى بمصير صويحباتها بعد،كما أن العشر نقاط التي لم يتوصل فيها الطرفان لاتفاق حتى الان، تتفرع بتفصيلات دقيقة ،لتتسم بذات دقة الصادق المهدي في الحديث المرقم المنمق، كما تدلل على ذلك تفاصيل الوثيقة، مبينة أن كيفية إختيار الرئيس ونوابه ومساعديه،تعتبر أبرز النقاط العالقة في حوار الطرفين ،لذلك فقد تركت لمزيد من الدراسة حالها حال اعادة تشكيل القوات النظامية والخدمة المدنية على اساس قومي، والاقليم الواحد لدارفور و الحقوق الخاصة بالجنوبيين والشماليين التي رأى المؤتمر الوطني ان الحديث عنها سابق لاوانه، وأنه يجب إرجاؤها حتى قيام دولة الجنوب رسميا في التاسع من يوليو المقبل .كما تشير الوثيقة كذلك إلى رفض المؤتمر الوطني العودة الى نظام الاقاليم الستة التي إقترح الامة أن تعود لتقسيمها السابق على أن يحتفظ كل منهم بنفس الولايات، وان تكون مستويات الحكم، محلي واقليمي وفدرالي. ولم تكن الخلافات حول طرائق الحكم وإدارة ماتبقى من وطن والتي تبين أن مارثون الحوار بين الطرفين قد قطع شوطاً كبيراً آخر نقاط الخلاف فقد أبرزت الوثيقة كذلك تقاطعاً بين الطرفين بشأن الحكومة ذات القاعدة العريضة التي يتبناها المؤتمر الوطني، والحكومة القومية التي يقترحها حزب الامة ،حيث رفض الوطني رؤية الامة حول الحكومة القومية القائمة على استيعاب كل مكونات الساحة السياسية، وان يكون هناك حوار بمشاركة كل الاطراف وبدون اقصاء، وينتج عنه برنامج وطني تنفذه كل الاطراف ،لتبين الوثيقة بجلاء أن الوطني لم يعد في حاجة لحلفاء المهدي وحزبه في الشيوعي والشعبي الذين عمل على إقصائهم من المشاركة في حكومته ذات القاعدة العريضة ،ليدور الحوار بعد ذلك حول قضايا متعددة تفصلها الوثيقة في شكل تساؤلات وأجوبة مغتضبة .لايبدو أنها قد حالت دون إنفجار الاوضاع داخل إجتماع قوى المعارضة الذي يفترض أن يكون قد إلتأم مساء أمس ، فقد أكدت قيادات بارزة في تحالف المعارضة ل(الصحافة) أمس أنهم قد فوجئوا بما توصل له حليفهم مع المؤتمر الوطني في الوقت الذي كانوا ينتظرون فيه تنويرا حول السقف الزمني فقط ،مشيرين إلى أن إجتماع اليوم (الامس) لربما كان اللقاء الاخير مع قادة الامة الذين إختاروا نهج غريمهم السابق وحليفهم الجديد ،وهو مايؤشر إلى أن ثمة فراق نهائي بين الامة وتحالف المعارضة ستشهد تداعياته الايام المقبلة ، بل أن التكهنات تمضي إلى أكثر من ذلك ،مؤشرة إلى أن فراق الامة لصف المعارضة سوف ينعكس داخلياً على قواعده المتململة ،التواقة للتغيير ،سيما وأن أحد أبرز قادته المعروفين برفضهم للحوار مع الوطني (مبارك الفاضل) قد أبلغ (الصحافة) قبل يومين أن حوار حزبه مع المؤتمر الوطني قد مات إكلينيكياً وأنه انه لم تتبق سوى جلسة مباحثات واحدة بين الطرفين لاقرار ذلك والتأكيد على ان الحوار قد وصل إلى نهاياته .وهي نهايات تبدو بعيدة جداً ولاتحدها سقوفات زمنية معينة حسبما وصف ذلك الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي المعارض والقيادي بتحالف المعارضة كمال عمر عبد السلام، مؤكداً في حديثه ل(الصحافة) أمس أن مارشح من معلومات يؤكد أن حوار الامة والوطني قد وصل إلى مرافئ نهاياته دون أن يكتنف ذلك أي حسم للقضايا الجوهرية التي يرى عمر أنه لو وافق فيها وفد الامة على رؤية المؤتمر وطني فإنه يكون عندها قد تحول إلى مؤتمر وطني، وهو مايراه كمال عمر بعيداً نظراً لمكانة الامة الراسخة في صفوف المعارضة -على حد تعبيره- ،قبل أن يطالب الامة بإبلاغ المعارضة ان حواره مع الحكومة قد وصل إلى نهاياته لان المعارضة لن تصبر أكثر من ذلك كما يشدد على ذلك كمال عمر، مبيناً أنهم وبقية قوى المعارضة السودانية قد وصلوا إلى نقطة فاصلة في صبرها على حوار الامة مع المؤتمر الوطني . نفاد صبر المعارضة الذي سماه كمال عمر بالقلق ،كان تضجراً بالنسبة لكثيرين داخل تحالف المعارضة أشاروا إلى عدم رضاهم عن مايتم من حوار بين الوطني والامة ،ولن يتوقف الامر عند التضجر وعدم الرضا فقط ،فسيكون له مابعده من مداولات ومشاورات ستحدد موقف المعارضة من الامة والامة من الستة عشر حزبا الباقية ،وفقما مضى لذلك الامين العام لحزب المؤتمر السوداني المعارض والقيادي بتحالف قوى المعارضة عبد القيوم عوض السيد بدر، الذي أبان ل(الصحافة) أمس أنهم غير راضين عن مايجري من حوار بين الامة والوطني على الرغم من إحترامهم لحق الطرفين في الحوار ،لان الوطني -حسب عبد القيوم- قد درج على أن يتخذ من الحوار ذريعة لكسب الزمن والمناورة والتنصل عن أمهات القضايا الوطنية،ولكون ان الامة أيضاً يضيع وقته هدرا في حوار غير منتج ،يفضل عليه عبد القيوم المواجهة والخروج للشوارع لاحداث تغيير قسري بعدما تعذر إحداثه بالحكمة والقول الحسن . [email protected]