وقعت في يوم الجمعة 11 مارس 2011 أكبر كارثة طبيعية باليابان. فلقد هز الأرض اليابانية زلزال عنيف يعد الأقوى في تاريخ البلاد منذ بداية توثيق الزلازل قبيل 140 عاما. فلقد وصل مقياس الزلزال إلى 8.9 على مقياس العزم، ولا اكاد اتصول مدى قوة هذه الهزة، فانا اقارنها بين الزلزال الذي عاصرته في العاصمة المصرية في بدايات التسعينيات والذي كان بحسبما أذكر يفوق الستة على مقياس رختر. ولم يمر هذا الزلزال على اليابان بمفرده، فلقد نجم عن الهزة الأرضية إرتفاع في موجات المحيط الهادي والذي ادى إلى ما يعرف بالتسونامي. وأدت الكوارت الطبيعية إلى خسائر كبيرة، اعظمها هي الخسائر البشرية فلقد وصلت التعدادات المبدئية، حتى الآن، إلى تأكيد وفاة قرابة العشرة آلاف شخص بينما لا يزال الآلاف الآخرون في عداد المفقودين. وربما يرجع عدد الوفيات الكبير إلى إزدحام المدن التي ضربتها الكوارث بالسكان، بينما ساهمت سرعة الأحداث إلى تعاظمها ايضا. فلقد قصت إحدى السيدات حكايتها، لقد كانت جالسة بمنزلها حينما شعرت ببدايات الهزة الأرضية، فما كان منها إلا ان فتحت باب منزلها وخطفت جارتها من يدها وركبتا السيارة التي ساقتها بسرعة فائقة لمدة خمس عشرة دقيقة فبعدتا عن بؤرة الخطر وعاشتا اليوم لتقصان قصتهما. واعقبت ان كل من إنتظر او تردد حتى ولو لدقيقة اخرى إما إهتد به منزله او غرق في موجات التسونامي. وتعددت الخسائر الأخرى، فلقد تم تدمير البنية التحتية من طرق ومحطات نفطية ووسائل إمدادات الكهرباء والمياه و تم تدمير مطار مدينة سنداي وتوقفت خدمات السكك الحديدية بينما تم إغلاق جميع موانئ البلاد، لكن كانت اكبر كارثة هي في المحطات النووية.فبسبب الهزات القوية التي ضربت أرضية البلاد نتجت إنهيارات بمفاعل نووي بفوكوشيما قرابة طوكيو وقامت السلطات اليابانية بإجلاء السكان الذين يعيشون في محيط المفاعل النووي حيث إرتفع النشاط الإشعاعي للمفاعل عن مستواه الطبيعي بعشرات ربما المئات عن مستواه الطبيعي. وبينما اتابع اخبار الكوارث الطبيعية التي ضربت اليابان، واشاهد صور المياه وهي تعلو على المباني وتطيح بالسيارات وبالمراكب وتضرب بهم وكأنما صارت في يد الطبيعة مجرد لعبات ودمى تحركها كيفما تشاء.. وبينما أرقب دموع الآلاف على شاشات التلفاز وهي تحاول البحث عن حبيب او قريب لها والجزع يملأ قلبها، كان هنالك منظر آخر. لقد نقلت القنوات العالمية مؤتمراً صحفياً للمسؤولين عن المحطات النووية بغرض تنوير الشعب عن خطر الإشاع ويقدمون آخر الأنباء، وقبيل البدء في التفاصيل، اعلن المسؤولون إعتذارهم الشديد للشعب الياباني وللعالم واحنوا رؤوسم في لحظة صمت امامهم. ووجدتني اتوقف لأتأمل مراسم الإعتذار العلني الذي بدأ به المؤتمر الصحفي، إن ما وقع في المحطات النووية لم يكن خطأ احد هؤلاء المسؤولين، إنه لم يكن خطأ بشريا بل كان كارثة طبيعية ليس لأحد فيها يد. لكن بكل ذلك، يشعر المسؤولون انهم فعلا «مسؤولون» ويعتذرون. ترى، هل سيأتي علينا حين من الدهر نرى فيه إعتذاراً رسمياً، او حتى غير رسمي، عن إنقطاع الكهرباء او المياه او التقاعس عن إصلاح الطرق او التعليم او غيرها؟ لست أدري!!