أيتها الأم الإلهية كيف استطعت إن تخبئ في بطنك الولود سنة بعد سنة هذا الجنين المارد العملاق لكي يجئ فارعا كالمئذنة ورائعا كقبة الكنيسة وساخن الزفير مثل رأس المدخنة كيف نسجت هذه الضفيرة السحرية من صخب العمال في أحيائك الشعبية ينتظرون ساعة الصفر على مقاهي النرد والنكات وصمت جيل الياقة البيضاء يراسلون عبر العنكبوتية كل الأصابع التي تنسج قبضة حديدية من وهج الشاشات في كل بقعة من بر مصر من قلب أسوان إلى رشيد في سائر الدلتا وأرجاء الصعيد ومن قرى مطروح حتى ساكني رفح هذي خيوط الفجر في السماء تتضح أيتها الأم الإلهية كيف بعثت ربة الشعر إلى حلوقهم فجاء كل نفس موزونا تسكنه أشعة النغم من قمة الرأس إلى مواطئ القدم يعلن أن أمة عظيمة تنهض من مشارف العدم وتعلن التوحد الهادر عبر وحدة الإيقاع ولذة الصباح من بعد أن كنا أضعنا سحره حين فقدنا لذة النشيد في طوابير الصباح. أيتها الأم الإلهية كيف زرعت في أكفهم سنابل القمح وعجلت بموعد الحصاد وكيف خبأت البذور الصالحة في حبة القلب بعيدا عن شراهة العسس وسطوة الأوغاد من بعد أن تجبروا،توحشوا وجففوا النيل وأرهقوا البلاد والعباد كيف استطاع طائر الفينيق من جوف العدم أن يستحيل شامخا كالنسر في أعلى القمم أيتها الأم الإلهية ما سر هذه الرقى وتلكم التعاويذ التي تحفظها أوراقك المقدسة وتبعث الأموات أحياء من عهد آمون ورع وعهد موسى والمسيح ممن تحدوا شبح الموت فخر وانصدع وعهد طه باعث الحياة في القلوب وعهد أصحاب المشاعل ممن حظوا على ترابك الفسيح وأيقظوا العقول والضمائر ها هم بنوك قد تلقوا سرها إذ مزجوا حرية الإنسان بروعة الإيمان