مني اليابان البلد المنتج الذي كان يحتل المرتبة الثانية في اقتصاديات العالم المتقدم بعد أمريكا حتى صعدت الصين العملاق الكبير الى المرتبة الثانية بعد كفاح وجهاد ومثابرة في العمل والانتاج بحسن الادارة سواء في الزراعة او الصناعة او الاعمال الأخرى لأكبر بلد في العالم لا يعرف الكسل والخمول والتبطل، وبالمثل اليابان التي تراجعت الى المرتبة الثالثة والتي نحن بصدد الحديث عن مأساتها التي ألمت بها بسبب زلزال ليكوشيما الذي قضى على حياة اكثر من ثمانية عشر ألف نسمة وشرد الملايين من البشر وطردهم من مدنهم وقراهم، وانتشرت الاشعاعات الذرية في سماء تلك القرى، تهدد البيئة والطبيعة والمواطنين وتعطلت الاعمال وصاروا كاللاجئين والنازحين يطلبون الغوث والعون من الدول الاخرى لتخفيف وطأة الدمار الذي لحق بهم من هذا الزلزال الذي لا يقل عن قنبلة هيروشيما الذرية في الحرب العالمية الثانية التي قضت على ارواح الملايين من الاهالي، الا ان اليابان خرجت من تلك المحنة والحرب العالمية المدمرة بقوة اقتصادها وتماسك ابناء شعبها الذين تربوا على حب الوطن وحب العمل والتضحية ونكران الذات وما لمسناه من المهندسين المختصين بالنووي وقد ضحوا بحياتهم فداء لوطنهم وصاروا يحاربون الاشعاعات النووية بكل الطرق حتى لا تنتشر وتجنيب البلاد والمواطنين ويلات انتشار هذه الاشعاعات. ولا يفوت على المواطن المتتبع لاخبار هؤلاء القوم صبرهم وعدم تضجرهم ومللهم على حكومتهم وهم في تلك الحال والمعاناة تشتد عليهم وهم يقاومون هزة الزلزال.. ونجد ان الخدمات رغم انعدامها من مياه وخبز وكهرباء فلا زيادة في الاسعار او اختفاء لها حتى تباع في الخفاءت بل سارت الحياة كأن شيئا لم يكن فعمال الاغاثة والعمال الآخرين يباشرون نشاطهم في النظافة والبحث عن المفقودين وازالة الانقاض.. ورأينا الشباب من الجنسين يقومون وبشكل منظم في جمعيات طوعية يجمعون لأهاليهم المتضررين ما يسدون به حاجتهم من الكسوة والفرش والاكل والشرب والعلاج لتخفيف آثار الزلازل عليهم وهم يقولون تبرع ولو بقرش واحد افضل من عدم التبرع لانه يزيد من حصيلة الدعم للمحتاجين لأن هذا الموقف قد ينطبق عليهم ويصيبهم مثل الذي اصاب هؤلاء القوم وهم يدعون الى التكاتف والتعاضدد والتكافل والوقوف مع بعضهم البعض ساعة المحنة كمواطنين.. وان يتركوا للدولة القيام بالمهام الكبيرة التي هي فوق طاقاتهم، فلم نر مظاهرة أو تجمهرا او تنديداً بنشاط الحكومة الذي لم يصل اليهم والحكومة مشغولة بتدمير المفاعلات النووية ولم نسمع بسرقات او اعتداءات او ما يشين ويسيء الى سمعة اليابان التي استطاعت ان تمتص ضربة هذا الزلزال وعادت الحياة الى طبيعتها وكأن شيئاً لم يكن. اما نحن في السودان فكيف الحال.. حدث ولا حرج فالاعلام المرئي والمقروء والمسموع، يعج بكل ما هو مخيف ومفزع في الخرطوم أو ملكال او الفاشر وكسلا وحتى في قلب الجزيرة نجد ونرى العجب العجاب والعناوين وحدها تكفي لدلالتها بعدم المصداقية والشفافية والاستهتار بحقوق المواطن التي لم تجد من يهتم بها.. اشتباك بالأيدي بين وزير الزراعة ونائب برلماني قرار وشيك بنزع اراضي دريم لاند من المستثمر احمد بهجت مما يدل على فشل المشاريع الاستثمارية.. وزارة الدفاع تحذر من تسرب الاسلحة الليبية الى الجنوب، الميرغني لا مشاركة في حكومة المؤتمر الوطني.. مناقشة قضية تقاوى عباد الشمس في البرلمان.. المؤتمر الوطني يهدد بسحق المتظاهرين.. الجلد والسجن لطبيب مارس الفاحشة مع مريضة.. رجل يكشف عن اختطاف زوجته على أيدي مجهولين ويطالبونه بفدية مالية.. وزير الدولة بالنفط يصف ازمة الغاز بأنها مفتعلة.. ومدير ادارة الامداد والتسويق يصرح بان الوزارة استوردت 88 ألف طن تكفي لثلاثة اشهر.. أين ذهبت لا ندري.. ونيابة حماية المستهلك تحصر عملها في العاصمة فقط وفي سلعتي السكر والخبز فقط.. فائض في الكهرباء يفوق 25% من حاجة البلاد والقطوعات مستمرة.. آلاف العمال يصرفون رواتب بدون مستندات بالنيل الابيض.. مستشارية الحوار تدعو المؤتمر الى تقديم تنازلات حقيقية وقبول الآخر حتى يصبح السودان في مأمن مما يدور في البلدان من حولنا.. هذه مجرد عناوين لبعض مما نعيشه في واقعنا وعلى الجميع أخذ العظة والاعتبار من دروس الشعب الياباني الذي يبني وطنه بالعمل والمثابرة والايثار والصدق الذي لا يوجد لدى شعبنا وقادته.. فتونس ومصر واليمن وليبيا محطات يجب الوقوف عندها وأخذ ما يفيدنا في تصحيح الاوضاع واحداث الاصلاحات المنشودة وحتى لا تصبح الخرطوم قبلة للهجرة المعاكسة بسبب ما لها من حظوة وخصوصية لما تمتاز به من تقديم الخدمات في جميع المجالات مما جعلها تتمدد وتتمدد وبغير توقف حتى وصلت اطرافها حدود الولايات الاخرى بالسكن العشوائي فالاهتمام بالمواطن في الخرطوم صار يجذب الضعفاء والمهمشين بالاتجاه صوب الخرطوم للاستقرار الشيء الذي افقر الريف وحوله الى صحراء تبحث عمن يعمرها ويقيم فيها الحياة فهل نرى صورة مغايرة تنقل هؤلاء الوافدين للخرطوم حتى يعودوا الى قراهم تصحبهم وسائل الاستقرار والعمل..