وكما في «مريود» الطيب صالح، الا ان السيناريو هنا أشد مرارة وواقعية.. دفناك في أخر الليل كأننا نغرس نخلة في باطن الارض أو نستودعها سراً دفيناً، أهالوا عليك التراب ورشوا قبرك بالماء، جلسنا بقربك لا نملك الا أصواتاً متهدجة تلهج لك بالدعاء وقراءة «الفاتحة» أن ارقد بسلام.. يوسف يا من تشبه الانبياء اسماً وخلقاً، كنت سألعن ذهابك «صدمة» لولا وجود أخوتي بجانبي، تعرف اني أحبك ولم أعرف أخاً سواك، الا أن عزائي بأن لك الجنة بإذنه تعالي وان رحمة ربي وسعت كل شئ... لا ادري لماذا تأمرت علي كل حروف هي للنفي يومها، وتقول بأن يوسف (لم) يمت، لطالما تضامنت معي من قبل، كنت أظنها ستظل باقية وتؤكد لى حضورك.. ف (لا) تكون غائباً عن الدنيا، و(لن) نجلس في شارع النيل ثلاثتنا أنا وأنت ومهند، الا أنها كلمة قد سبقت من قبل فانقطع الرزق وكانت يد المنون سباقة فتخطفتك علي دون مهل، ما أتعس الاقدار حينما (تعاكس) رغبات النفس.. يوسف: عرفتك أخاً لم تلده -الحاجة سعيدة- ، الا ان ذلك لم يغير محبتي فيك فكنت الأخ والصديق والرفيق الذي أسد به حاجة الزمان وعثرات الطريق.. عرفتك رجلاً ملء (هدومه) فخبرتك في الحل والترحال،أفراحنا واحدة وأتراحنا واحدة (أنا وانت وبقية الصحاب)... تقاسمنا المبيت علي فرش واحد نتبادل الحديث وذكريات لم نعشها سوياً.. لقد كنت تعلم بأنك راحل ولا تريد البقاء ومازلت اذكر حواراً بيننا ذات ليل وانا استودعك الله، جلست داخل (هيربي) تلك التي تمازحني بأن اعطيك اياها لتكون قفصاً( لسيزر)... جلسنا وحدنا، صمتَ برهة ونظرتَ الي قائلا: (شوقي، لا اذيعك سراً إن قلت لك بأن أجلي قد دنا = ولست خائفاً= يومها وكان الوقت ليلاً، وكانت الدنيا تفرد شراعات الأمل، وكنت قد علمتني معنى الصبر والاحتمال وألا نفرط في تمني الاشياء لأننا لن ندركها بالتمني، كنت تصغرني سناً وتكبرني دهوراً بالحكمة ورجاحة العقل، وكنت تعلم بأنك راحل، وكنت تمد لسانك للدنيا ساخراً بأنك لست لها.. اذكر انك قلت في ذات المساء بأن اجلك قد أوشك، وتابعت: ( لست بخائف من دنو الاجل وخذ عني هذا (باس ويرد) الايميل الخاص بي وهذا (باس ويرد) اللاب توب، وكذلك حسابي في الفيس بوك... رجاء أغلقه من بعدي، لا أحب ان يظل نشطاً في غيابي.. فاعتدلت انا علي الكرسي فزعا ، وقاطعتك قائلاً :(بطل هظار زي ده يا وهم واتفضل انزل ما دام وصلت بيتكم).. كنت توصيني وكنت انا الغبي الذي لم يدرك ذلك، ليتني كنت مستمعاً جيداً لأنفذ الوصية عن ظهر قلب.... يوسف: لم أكن أعرف من قبل أن الليل بارد وموحش حد الخوف.. لقد تورطت في صداقتك يا يوسف لدرجة انها سدت كل منفذ للفرح في داخلي بغيابك، لقد عدت أدراجي للبيت مساء اليوم منهكاً بقلب مفطور وافكار تطاردني ثم استغفر ربي واسأله ان يثبت ايماني وان يغفر لك ... لتعلم أخي ان ايماني بربي قوي بما يجعلني أعرف أن واجبي تجاهك أن اسأل لك رب العزة الرحمة والمغفرة عقب كل صلاة.. أعرف أنك تحتاج الدعاء أكثر مما نحتاجك نحن.. لقد بذلت وقتك ومالك من أجل عمل الخير، وكنت طيب الخلق وحسن السيرة والسريرة، وأسأل ربي ان يجعل عملك التطوعي في جمعية مستشفى سرطان الأطفال هو نبتة خير في حدائق الإنسانية لتشهد لك يوم الحساب . وأناشد كل من يعرف يوسف بأن يدعو له بأن ينزله الله مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، وان يغسله بالماء والثلج والبرد، وان يتجاوز عن سيئاته ان كان مسيئا ويبدله داراً خيراً من داره واهلاً خير من أهله، فهو يحتاجنا ويحتاج الدعاء والصدقة الجارية.. سادعو لك ربي يا يوسف بأن يثبتك عند السؤال ويكرم مثواك...« اللهم اغفر بقدر ما اساء وبقدر ما احسن فانه نزل بك وانت خير المنزلين ، ان تغفر له فهي رحمتك وان تعذبه فانه عبدك ولكن كرمك ورحمتك وسعت كل شئ فاكتبها له انك حنان منان».