وكأن لي أرضاً أعانقها وأفارقها متى أشاء! كنت استغرب أو اتساءل؟! كيف؟ ولماذا تندلع الحروب فجأة؟؟ كيف فجأة وهكذا بلا مقدمات اقتلع من مكاني؟... كيف أكون نائماً أحلم بالملائكة فإذا بالكثير من الشياطين تنزع الارض من تحتي! لا أعلم من أين أوتو كل هذه القوة! كلما أعلمه ان كرهاً في قلبي صار ينمو دون أن أستطيع اقتلاعه! ذات مرة وبينما أمي بطلعتها الهادئة جالسة تنظر إلى السماء سألتها: أمي. أتختار الحرب أين تنمو أم أن شخصا مايختار لها؟؟! قالت لي ونظرة لم أفهم معناها في عينيها: الشياطين تختار. لم أفهم.. اتقصد ان الشياطين تحب الحرب أم انها تحب فقط ان توسوس لتندلع حرب! كان بيتنا يقع في احد الاحياء الهادئة لمدينة مثلثة! كنت أحب البيت والارض تحته والحيطان المشققة والسقف الصدئ الذي كان يخبئنا! لم نكن نعيش عيشة رغدة ولكن كنا نحب فكرة أننا نعيش بسلام ولا أحد يستطيع اقتلاع هذه الفكرة مننا! أو هذا ما اعتقدته!! لا أحد إلى أن اكتشفت ان شخصا ما زرع الحرب في فناء دارنا ولم يخبر أحداً! إلى ان بدأت الحرب تنمو وتربو إلى أن اندلعت الحرب من بيتنا وكنت انظر.. كنت انظر الهلع والخوف!! الناس يركضون بجنون وأنا لم يتحرك فيّ ساكن الى ان حملتني أمي لنغادر دارنا!! انظر الى وجهها واحتار.. لم أر أمي يوماً منذ وجدت، بهذه الضجة!! إن كانت الحرب تختارها الشياطين فلماذا لا نستطيع ايقافها فنحن أفضل من الشياطين! إن كانت الحرب قد زرعت في بيتنا فلماذا لم نقتلع البذور ونحرقها!! كانت أمي تركض وهي تحملني والناس يتخبطون، صوت رشاش تتلوه انفجارات! صوت نار وصوت اشياء لا تبقى فيك سوى الهرب! اختبأنا في مكان أكثره شجر يحمل الشوك، وحيطان اذا لمست بأصبع شخص حاقد لسقطت.. أمي التي ارتمت في أول ركن لتريح قدميها من الركض ومن حملي غطت في النوم، ولكن دون السلام الذي كان يحوم حولها كانت أمي تنام وأنا أرى الخوف يتراقص أمامها، تمنيت لو أن لي قدمين قويتين كفاية لأركض أسرع من البقية وأحملها هي فوق أكتافي... ابتعدت إلى رجل طاعن في السن ينظر إلى الارض متمعناً جلست قرب عصاه دون حراك دون كلام وضع يده فوق رأسي وسألني: أنت خائف؟؟ استغربت كيف من المفترض أن أجيب ولكن الرد خرج من جوفي : لا جدي.. وأنت؟؟ : لا إحنا متعودين. : متعودين كيف يعني! : يا ولدي من كنت قدرك أنا بشوف النار بتولع في جلابية أبوي!! يعني ان الحرب لم تكن موضة جديدة ابتدعتها الشياطين بل تبدو كأنها إرث تتوارثه وتتعلم أساليب جديدة لتجعلها تندلع! إن كانوا يحبون رؤية الحرب تندلع إلى هذه الدرجة فلماذا لا يجعلونها تندلع بينهم ويستمتعون برؤيتها قدر ما يشاءون! دون أن يجعلوا أمي المسكينة تركض وهي تحملني! حملت قدميي وابتعدت، كلامه أصابني بالصداع أليست الأرض أرضنا! فلماذا تركوا الحرب تزرع منذ ذلك الوقت وتنمو وتربو حتى تضج بالحياة! حتى تخنق أرضنا وتقتلنا! لماذا لم يجد أحد تلك الشياطين التي زرعتها! ولم يؤلمني الامر قدر تقرح قدمي أمي التي باتت تشبه تقرح هذه الأبنية والشوارع!! كنت احتار في لوحاتي البريئة بماذا قد أبدل أخضر الزرع أو أزرق السماء المشرق ولم أجد ألواناً لأفعل ولكن الشياطين فعلت أخفى الرمادي الخانق زرقة السماء المشرقة وأخفى الاسود المدخن خضرة الشجر عن كل مكان. أدائماً تتحقق الكوابيس ألا تتحقق الأحلام أبداً! وإذا علمت أمي اني تمنيت تغيير اللونين في لوحتي وراودني حلم عنهما أ ستغضب! ولن تسمح لي باللعب بالألوان مجدداً؟! أو قد تلومني على تقرح قدميها! اللتين بدأ لون أحمر ينمو فيهما! ابتسامة أمي كانت كفيلة بجعل ذلك المكان المتقرح يشبه أكبر قصر عرفته. الأرض، المشكلة ان حتى أمي لم تعد تبتسم أبداً لحظتها تأكدت ان حرباً تقودها شياطين ما تندلع في كل مكان حتى وجه أمي ذو الابتسامة التي تشعرني أن كل شئ بخير. وكما بدأت انتهت.. أظنهم اختفوا ليدبروا حرباً تندلع من فناء شخص آخر هذه المرة. أتساءل أستعود إلى دارنا أبداً؟! أيعود كل شئ كما كان بعد أن تكتفي الشياطين باللعب! أ ستعاقبهم أمهم وتجعلهم يعيدون ترتيب المكان؟ أم أننا نحن المساكين سنضطر لترتيب وتنظيف كل شئ!! وهل سأرى أرضي التي كنت أظن اني أعانقها وأفارقها متى أشاء مجدداً؟؟ الكلية الوطنية