وصلت الخلافات بين اثيوبيا واريتريا الى درجة الغليان،مما يلوح بنذرتفجر حرب بين البلدين على ضوء تصريحات رئيس الوزراء الاثيوبي الاخيرة،التى ألمح فيها الى ان اديس سترد على التصرفات الاريترية بالمثل. وهذا قد يعني اقدامها على تبني اعمال مسلحة بحقها، وهو ما قد يترتب عليه ايضا عمل اريتري مماثل، يقود الي مواجهة مسلحة شاملة. وهذا السيناريو كثير الحدوث في افريقيا، الا ان خطورته على السودان تكمن في انه سيدور على مقربة من حدودنا الشرقية، ولن يكون عبء استقبال الفارين من هذه المواجهة هو هم الخرطوم الاوحد، لان الطرفين لن يتقبلا في حربهما الثانية ان تظل مواقف الجار المهم ضبابية كما كانت في الحرب الاولى، وكما هي الان،ونذر المواجهة المسلحة تتبدى للعيان. واسباب هذا التصعيد بين البلدين ربما تكون لها علاقة وثيقة بالتدخلات الاريترية في الأزمة الناشبة بين مصر واثيوبيا حول مياه النيل، فقد كشفت مصادر صحفية في القاهرة عن ارسال افورقي لمبعوث الى المجلس العسكري الحاكم، ليجدد التزام اسمرا بمشاريع التعاون بين البلدين. وتنظر اديس منذ البداية الى التقارب بين مبارك وافورقي على انه اجتماع بين الطرفين على استهدافها. فقد انتقد زيناوي النظام المصري السابق،متهما اياه بتشجيع ودعم اريتريا لزعزعة استقرار اثيوبيا. وربما ايضا فى هذا الاطار حرص اثيوبيا علي تأمين عمليات انشاء سد الالفية الذي يقع في اقليم بني شنقول، وهو الاقليم الذي تنشط فيها حركة تحرير الارومو. فيما استبقت اريتريا التحركات الاثيوبية بتقديم مذكرة فى 25 من مارس المنصرم الى مجلس الامن تشتكي فيها من التصريحات الحربية المتهورة التي يطلقها ملس زيناوي بحقها، واحتجت اريتريا في المذكرة على التهديد الاثيوبي بغزوها علانية، واشار مندوبها في المنظمة الاممية الى تصريحات بعينها ادلى بها مسؤولون حكوميون اثيوبيون منهم قادة عسكريون. مبرزا كلمة كان قد القاها رئيس الوزراء الاثيوبي امام قادة عسكريين وطلاب يوم 19 مارس في مقر الكلية العسكرية بالعاصمة. واعتبرت المذكرة ان التهديدات باستخدام القوة تعتبر انتهاكا خطيرا لميثاق الاممالمتحدة،ويجب ان تدان بكل قوة من مجلس الامن. كما لفتت المذكرة الى رفض اثيوبيا حتى الان لتنفيذ قرار ترسيم الحدود بين البلدين رغم مضي 6 أعوام على صدوره ، وطالبت المذكرة المجلس بالقيام بدوره في الضغط علي اثيوبيا من اجل الرضوخ لتطبيق قرار ترسيم الحدود، والانسحاب من الاراضي الاريترية. وترتجي اريتريا من هذه المذكرة كما قال مندوبها الدائم ان تتعامل المنظمة الاممية مع التهديدات الاثيوبية لها كما يتم التعامل مع مثل تلك التهديدات في مناطق أخري في العالم. وبطبيعة الحال ستكون لهذه التصعيدات ظلالها على العلاقات بين السودان والبلدين، فقد ظلت الخرطوم تحتفظ بعلاقات جيدة مع العدوين اللدودين، ورغم المحطات الصعبة التي تعرضت لها فيما سبق بسبب المواجهات المستمرة بينهما على مستويات مختلفة،فان الخرطوم الان قد تواجه ساعة الحقيقة حال تفجر الصراع المسلح على حدودها الشرقية. وتبقى محاولات استقطاب البلاد قبل الاقدام على خوض اي صراع على مقربة من حدودها الشرقية حثيثة. وربما كان منها التظاهرة الاريترية في قلب الخرطوم احتفالا بمرور 6 أعوام علي صدور قرار ترسيم الحدود المتنازع عليها مع اثيوبيا ، وقد خاطب هذه التظاهرة السفير الاريتري مثمنا المواقف السودانية الداعمة لبلاده، ومؤكدا على متانة العلاقة بين البلدين وأواصر التواصل بين الشعبين.وقال السفير بشأن الخلافات الحدودية مع اثيوبيا، ان نتيجة التحكيم الذي تم فى الجزائر نهائية، معتبرا ان قرار التحكيم دولي وملزم للطرفين. وابدى السفير الاريتري ضيق بلاده من ماتعتبره عداءً امريكيا يلاحقها،مشددا على ان بلاده قادرة على التصدي لكل المؤامرات التي تحاك ضدها، وانها لن تحيد عن مبادئها. والرسالة الاريترية هذه ،كما يرى مراقبون، تتصف ببلاغة لافتة.. اذا ان قرار الترسيم اضحى حبرا على ورق. بينما اختارت اثيوبيا على ما يبدو ان تضرب عصفورين بحجر واحد، تغازل السودان وتوقع في ذات الوقت بينه واسمرا،اذ اتهم مسؤول فى الخارجية الاثيوبية الاسبوع الماضي اسمرا بدعم مليشيات في السودان، وتعتبر ايضا اثيوبيا ان المطالب الاريترية من السودان باستثناء الاريتريين من تأشيرات دخول البلاد، تأتي «هذه المطالب» في اطار مخططات افورقي للاستفادة منها في عملياته لتهريب المسلحين لزعزعة استقرار اثيوبيا. وبين التجاذبات التي تتم من الطرفين للموقف السوداني مما هو قادم،تبرز مواقف السودان من صراعات الطرفين السابقة في مثلث بادمي، والتي اتصفت بالحياد والابتعاد عن التورط في دعم احد الطرفين.ورغم ان مياها كثيرة جرت فى السنوات الماضية تحت جسر العلاقات بين الخرطوم والبلدين، فان دوائر دبلوماسية في الخرطوم ترجح ان لا يختلف موقف حكومتها من موقفها السابق حيال المواجهة بين البلدين، ولفتت هذه الدوائر الى ان طبيعة الخلافات بين البلدين لاتترك بصيص أمل فى حلها عبر التوسط بين الطرفين. وتوقع دبلوماسي سوداني فضل حجب هويته ان تنزع الخرطوم حال تفجر نزاع مسلح بين اديس واسمرا الى تهدئة الاوضاع ونزع فتيل المواجهات،ومن ثم الدفع بالغريمين الي مائدة للتفاوض حول القضايا الخلافية. ورغم ان الاخوة الاعداء كما دعاهم سفير السودان السابق فى اثيوبيا قد جربا الحرب لعامين فيما بين 19982000، فان مرارة الواقع في البلدين وتأثيراتها المدمرة على مواردهما الشحيحة، تطرح اسئلة موضوعية حول جدية ملس وافورقي في تكرار التجربة. ويقطع سفيرنا السابق في اديس ابابا بان اثيوبيا جاده فى تحذيراتها لاريتريا، وقال ان التهديدات التي تسوقها اثيوبيا لن تصبح حربا دعائية، ان استمرت المساعي الاريترية لتقويض الاستقرار في اثيوبيا. واوضح عثمان السيد ل» الصحافة « ان النظام فى اسمرا يقوم بتهريب مجموعات من جبهة تحرير الارومو والجبهة الوطنية لتحرير الاوغادين وحركة تحرير الشباب الصومالية، من اثيوبيا لتدريبهم فى اريتريا مرورا بالحدود السودانية. وبين السيد ان رحلة هذه المجموعات تنتهي في معسكرات التدريب في ساوا بالمنخفضات الاريترية، ومن ثم يتم الدفع بهم الي السودان لتقوم المخابرات الاريترية بتهريبهم، الي الكرمك السودانية فالكرمك الاثيوبية وصولا لاقليم الارومو « بني شنقول». ويمضي السفيرالسيد ليقول ان كل اجهزة المخابرات في المنطقة تعلم بهذه العملية بما فيها جهاز المخابرات السوداني، كما انها تعلم ايضا ان المساعي الاريترية هذه كانت تجد دعما من النظام المصري السابق والعقيد القذافي، وذلك بهدف زعزعة الامن والاستقرار في اثيوبيا. واشار السيد الى ان اديس ابابا تملك كل الوثائق الدامغة على الفعلة الاريترية، والى ان الحكومة الاثيوبية كذلك تتمتع بدعم وتعاطف الدول الاوربية وامريكا. وحذر السيد بدوره في حديثه معنا من احتمال نشوب هذه الحرب ،في اي وقت ذلك لان اثيوبيا بحسب تقديره تنتظر القبض على أية مجموعة من مسلحي الارومو الذين درج افورقي على ارسالهم لترد بعنف، وذلك لانها لن تسمح بأي اعمال تخريبية في هذه المشروع الذي تبلغ كلفته 8 مليارات من الدولارات ،وتنتظر منه اديس ابابا ان يوفر طاقة كهربائية ضخمة تتجاوز 500 كيلو واط تساعد فى دفع مشاريع التنمية . وابدى السفير السابق قلقه من استغلال اريتريا للاراضي السودانية واعتبره امرا غير مقبول بالمرة ، لان سياسة السودان بحسب السيد قائمة على حسن الجوار مع الجميع، ولا يجب ان تستغل اراضيه في عمليات تستهدف ايا من دول هذا الجوار، وطالب السفير السيد اجهزة الامن السودانية بالحيلولة دون دخول مثل هذه المجموعات،حتى لا يتعرض امن واستقرار المنطقة برمتها الي الخطر. ويشكل الوجود الامريكي فى القرن الافريقي عاملا مؤثرا في كثير من الصراعات بين دول هذه المنطقة المضطربة، وتحظي الحكومة الاثيوبية بدعم امريكي فى خلافاتها مع اريتريا، فيما تشتكي اسمرا من تجاهل واشنطون لمساعيها في خطب ودها. الا انه رغم ذلك يصعب التكهن بمدى تقبل امريكا لفكرة تجدد الصراع المسلح بين البلدين، نظرا الى انها كانت اول من سعى لايقافه بعد ان هدد بجر المنطقة باكملها الى الحرب. وان لم تعبر عن ذلك تصريحات صدرت للسفير الامريكي فى اثيوبيا، قال فيها بأوضح العبارات ان بلاده تؤيد موقف اثيوبيا فى تعاملها مع التهديدات الاريترية ،مؤكدا على احترام امريكا لحق كل دولة تواجه حملة عسكرية فى الدفاع عن نفسها. وشدد السفير دونالد بوث دون مواربة على دعم بلاده لاثيوبيا فى مواجهة التهديدات الخارجية، واصفا علاقة الولاياتالامريكية مع اثيوبيا بالهامة،واشار السفير الى الشراكة بين البلدين فى تعزيز السلام والاستقرار فى القارة الافريقية، والمساهمة فى قوات حفظ السلام فى المنطقة، والتعاون على الارهاب فى افريقيا.