لم تكن قناة الجزيرة في حاجة ان تنشر تسجيلا صوتيا بلسان الرجل الذي وضع العالم في كفتين مع وضد الارهاب في فترة يتم التسجيل لها ما بعد العام 1990 حينما انهارت كفة المعسكر الشرقي بنظريته الماركسية والذي حاربه اسامة بن لادن بعون من اعدائه الجدد المعسكر الاخر فالرجل الملقب بالشيخ من قبل اتباعه وبالارهابي في المعسكر الاخر ولد في المملكة العربية السعودية في عائلة تربطها علاقة وطيدة بآل سعود الأسرة الحاكمة بالبلاد. وبعد وفاة محمد بن لادن والد أسامة، ترك الأول ثروة لأبنائه تقدّر ب 900 مليون دولار مكنته ثروته وعلاقاته من تحقيق أهدافه في دعم المجاهدين الأفغان ضّد الغزو السوفييتي لأفغانستان في سنة1979م وفي سنة 1984، أسّس ابن لادن منظّمة دعويّة وأسماها «مركز الخدمات» وقاعدة للتدريب على فنون الحرب والعمليات المسلحة باسم «معسكر الفاروق» لدعم وتمويل المجهود الحربي «للمجاهدين الأفغان» «وللمجاهدين العرب والأجانب فيما بعد». ودعمتهما «المنظمة والمعسكر» كلّ من الولاياتالمتحدة، باكستان، السعودية ومصر وعدد من الدول التي رأت في الغزو السوفييتي خطرا عليها بشكل مباشر أو غير مباشر وهو الامر الذي يؤكد علي ان من صنع بدايات بن لادن كثائر هو من صنع نهاياته حينما تباينت الرؤي والاتجاهات او بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتبلور نموذج الاحادية القطبية بملامحها الامريكية ومعها تبلور ملامح الواقع الجديد في الدول التي دعمت بن لادن في فترة ودعمت امريكا ضد بن لادن في المراحل اللاحقة. أعلنت قناة الجزيرة الاخبارية نقلا عن الفرنسية وفاة أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وذلك نقلا عن تصريح لأحد المسؤولين الأمريكيين، وأكد المسؤول الأمريكي وفاة العدو الأول لأمريكا أسامة بن لادن ومن المنتظر خروج الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليدلي بتصريح اعلامي عن ملابسات وفاة بن لادن. ولم يتم حتى الآن الكشف عن تفاصيل وفاته وقالت قناة سي ان ان إنه قد قتل في منزل بالعاصمة الباكستانية اسلام آباد في غارة جوية وأن القوات الأمريكية قد نجحت في العثور على جثته وصرح مسؤولون أمريكيون أنهم قد تأكدوا من موت بن لادن عن طريق فحص الحامض النووي ، تفاصيل الخبر تؤكد علي ان بن لادن قد رحل عبر تكتيك امريكي، وبالرغم من ان البعض بدا متشككا في الخبر نفسه وينتظر تسجيلا صوتيا يدحضه لم يبرز حتي الان الي السطح ولكن ما حدث يضع تساؤلا منطقيا في الاغتيال وفي الطريقة التي تم بها من قبل القوات الامريكية والاستخبارات الباكستانية ، وبحسب خطاب الرئيس باراك اوباما الموجه للشعب الامريكي قال ان العملية لم تستغرق اكثر من 40 دقيقة فقط اغتيل بعدها الرجل قبل ان يطالب اوباما المسلمين بالترحيب بمثل هذا الخبر لان بن لادن ساهم في قتل الكثير من المسلمين، الا ان السؤال الاكثر الحاحا ان كانت 40 دقيقة فقط كافية لاغتياله فلماذا في هذا التوقيت بالتحديد ؟ البعض ربط الامر بالواقع السياسي الداخلي في الولاياتالمتحدةالامريكية وباستراتيجية اوباما التي دخل بها البيت الابيض وخصوصا فيما يتعلق بمكافحة الارهاب وضرورة كسب ود أسر الضحايا في الحروب الامريكية في الفترات السابقة وان اكبر انجاز يمكن ان يقدم هو رأس الافعي بحسب التوصيف الامريكي للرجل الا ان توقيت الاغتيال يطرح تساؤلات اخري تتعلق بطبيعة المنطقة والتحولات التي تشهدها والثورات الشعبية وهو امر جعل الرئيس الفرنسي في تعليقه علي الحدث يصفه بانه يعد مكسبا لكل الشعوب المحبة للديمقراطية في العالم حدثا يجب الاحتفاء به بينما علقت الصحافة الامريكية علي الحدث وتوقيته بانه يمثل نقطة انطلاق نحو تحسين العلاقات الامريكيةالباكستانية في مقبل المواعيد، الا ان كل تلك التحليلات تبدو في اتجاه اخر يتعلق بالاربعين دقيقة التي وضعت نهاية لاسطورة بن لادن في العالم عبر التكتيك الامريكي الذي يقول عنه المحلل السياسي واستاذ العلاقات الدولية محمد حمدنا الله عبد الحافظ ان عملية الاجابة علي لماذا الان تمضي في اتجاه دراسة الاستراتيجية الامريكية ليس في المنطقة فحسب بل في كل العالم بغرض تحقيق طموحات السيطرة والامتلاك في عالم ما بعد الثنائية القطبية والذي بدأ يتبلور وفقا لنظريات نهاية التاريخ وصراع الحضارات في امريكا نفسها وهو ما جعل الولاياتالمتحدةالامريكية تصنع من بن لادن «فزاعة» لكل النظم العربية وتستغل حالة الخوف من بن لادن ومن الارهاب وهو الحديث الذي رددته صباح امس الصحف السعودية وفي عناوينها التي تمنت ان يكون اغتيال بن لادن المسحوبة منه الجنسية الامريكية نهاية لتنطيم القاعدة والارهاب في العالم،أعربت المملكة العربية السعودية عن أملها بأن يشكل القضاء على زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن خطوة نحو دعم الجهود الدولية الرامية الى مكافحة الارهاب وتفكيك خلاياه والقضاء على الفكر الضال الذي يقف وراؤه، وقال بيان مقتضب نشرته وكالة الأنباء السعودية ان الشعب السعودي من أكثر الشعوب التي استهدفها تنظيم القاعدة الارهابي بجرائمه وازهاقه للأرواح البريئة التي حرمها الله الا بالحق وترويع الآمنين وزعزعة أمن واستقرار المجتمع، وفق ما جاء في البيان وهو الامر الذي ينفيه حمدنا الله الذي يقلل من ان اغتيال بن لادن سيكون نهاية القاعدة معتبرا ان القاعدة بدت تتخذ الطابع المؤسسي اكثر من ارتباطها بالاشخاص حتي لو كان هذا الشخص اسامة بن لادن الاكثر تأثيرا في المنظومة طوال تاريخها ويربط حمدنا الله بين توقيت الاغتيال والواقع العربي العام الذي يشهد انتفاضات تقوده نحو الديمقراطية باعتبارها احدى الآليات التي ترفعها الولاياتالمتحدة وتسعي لنمذجتها علي مستوي العالم ومعها مكافحة الارهاب بقاعدته ، ويطرح حمدنا الله تساؤلا يتعلق بالخطوة في باكستان وبين التغيرات في مصر وتونس وليبيا وتحول السلطة بشكل او بآخر نحو الشعوب مما يجعل من التوقيت مثارا لتساؤلات اخري لكنها لا تخرج عن السعي من اجل تشكيل البنية الجديدة في المنطقة وفقا لمجري المصالح الامريكية فيها وهو الامر الذي يقول حوله الخبير في العلاقات الامريكية البروف صلاح الدين الدومة الذي يقول ان السياسة الامريكية عموما تأتي محسوبة كل خطواتها ويتم الامر وفقا لتخطيط مسبق وخصوصا فيما يتعلق بقضايا الارهاب وهو ما يعني بحسب حديثه ان الامر يصب في اتجاه المصلحة الامريكية والا ما تم هذا الامر ولم يمض بعيدا عن مجموع التغييرات الحادثة في المنطقة وتكامل توقيت الاغتيال معها مشيرا لان فترة الحرب علي الارهاب استمرت عشر سنوات وانتهت في 40 دقيقة فقط. والتساؤل يمتد لماذا الان تحيط به اقواس الأزمات التي تحيط بالمنطقة ورغبة الولاياتالمتحدةالامريكية بالخروج ولكنه خروج رهين بعودة متجددة والخروج يتطلب ايجاد مسوغ اخلاقي له حتي لا يتدثر باثواب الهزيمة ، وسؤال اخر لماذا دخلت سابقا وخرجت الان ومحاربة الارهاب كانت هي المسوغ للدخول والارهاب في المخيلة الامريكية اسامة بن لادن وهو ما يعني ان مقتله يعني نهاية القصة والبحث عن سيناريو جديد وعلي اسوأ الفروض تطبيق سيناريو حملة اوباما الانتخابية الممهورة بسحب القوات الامريكية من جبال افغانستان مما يحتم بدوره ضرورة تحطيم جبل جليد القاعدة اسامة بن لادن وانحناء لعاصفة التغيير في المنطقة التي ترتدي اثواب اسلاميين يرفضون استمرار بقاء اليانكي فيها بعد ذهاب منفذي استراتيجاته.