صوب خبراء واكاديميون في علم النفس والاجتماع انتقادات لاذعة لاسلوب التربية الاسرية في السودان ووصفوه بالدكتاتوري وعدم احترام الاخر والتكريس للسيطرة الابوية. وحمل المتحدثون خلال المنتدي الدوري لوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي الذي جاء بعنوان فن الحوار الاسري مؤخرا بقاعة المجلس القومي للطفولة وسائل التكنولوجيا (الانترنت والموبايل) مسؤولية ارتفاع نسب الطلاق وسط الاسر والغاء دور التواصل الحي بين افراداها، وشددواعلي ضرورة قيام مكاتب للارشاد الاسري والعمل علي انشاء حزمة من الدراسات في مجال عوامل ومدعمات الحوار الاسري في السودان وطالبوا بتضمين ثقافة الحوار الاسري في مقررات مرحلتي الاساس والثانوي، وتفعيل الشبكات العاملة في مجال الاسرة والاستفادة من القيادات الروحية والمعاهد والمساجد في نشر ثقافة الحوار . وناقش المنتدي الذي جاء تحت شعار (الطريق الي السعادة) ورقة علمية عن ( متطلبات ومعوقات الحوار الاسري في المجتمع السوداني) قدمها استاذ علم النفس بجامعة الخرطوم دكتور سليمان علي احمد، وهدفت الدراسة الي معرفة انماط الحوار الاسري الايجابي المطلوب لبناء اسرة متماسكة وما اذا كان الحوار الاسري الايجابي موجود في الاسرة السودانية بجانب الكشف عن معوقات الحوار الايجابي ، وعقب علي الورقة استاذة علم الاجتماع بجامعة النيلين دكتورة هاجر علي محمد بخيت، واختصاصي علم النفس دكتور معاذ شرفي . واكد معد الورقة ان الحوار الاسري اساس للعلاقة الاسرية الحميمة البعيدة عن التفرق والتقاطع و يساعد علي نشأة الابناء نشأة سوية صالحة بعيدة عن الانحراف السلوكي والخلقي، كما يساهم في خلق التفاعل بين الطفل وابويه ويعزز الثقة بين افراد الاسرة ويعمل علي تعميق اهمية احترام الرأي الاخر. وقسم الباحث الحوارات الي نوعين ايجابي وسلبي وصنف الايجابي الي خمسة اصناف وهي اولا: الحوار النقاشي والذي اعتبره من اكثر الاساليب التي يتم فيها الحوار بين طرفين، خصوصا في الامور التي تأخذ منحي الجدية، وقال دكتور سليمان ان كثيرا من الاسر لم تعتد علي هذا النوع من الحوار الزوجي، رغم اهميته وتأثيره، مشيرا الي ان هذا النوع لايقتصر علي هذه الفئة فقط وانما يتطرق الي التعبير عبر الكتابة خاصة عندما يصعب علي الزوجين عرض الامور بصورة مباشرة . ثانيا الحوار العابر وتري الورقة انه من اكثر انواع الحوارات الشائعة داخل الاسرة سواء بين الزوجين او الابناء واضافت بأن هذا الحوار عادة يكون تلقائيا وبدون شعور كالتعليق علي حدث ما، او شرح موضوع معين . ثالثا الحوار عن طريق العيون التي تعتبر وسيلة للتعبير. رابعا الحوار الشاعري الايجابي يستخدم المشاعر الايجابية والعاطفية في ايقاف دائرة الخلاف الاسري ،واخيرا حوار مرآة الاخر ويقول معد الورقة بأنه من الانواع المهمة ويعني بوضع الذات في مكان الشخص الاخر ويرتبط ذلك ايجابا بالرضا عن العلاقة. اما الحوار السلبي الذي حسب الورقة يعد مصدرا للمشاكل الاسرية ومسببا لقدر من الاحباط لدي افراد الاسرة فقد قسم الي 6 اقسام : الحوار التعجيزي وفيه لايري احد طرفي الحوار او كلاهما الا السلبيات والاخطاء والعقبات، وينتهي الي انه (لافائدة) ، حوار المناورة (الكر والفر) حيث ينشغل الزوجان او احدهما بالتفوق اللفظي والفلسفة في المناقشة بصرف النظر عن الثمرة الحقيقية والنهائية لتلك المناقشة، ووصفته الورقة بأنه نوع من اثبات الذات بشكل سطحي. الحوار المغلق الذي تتكرر فيه عبارة (لاداعي للحوار فلن نتفق، وهو نوع من التعصب والتطرف الفكري وانحسار مجال الرؤية حسب الورقة . الحوار التسلطي وهو الحوار شديد العدوانية حيث يلغي طرف كيان الطرف الاخر ويعتبره ادني من ان يحاور بل عليه فقط الاستماع للاوامر الفوقية والاستجابة دون مناقشة . الحوار العدواني السلبي وهو اللجوء الي الصمت والعناد والتجاهل رغبة في مكايدة الطرف الاخر بشكل سلبي دون التعرض لخطر المواجهة . واستعرضت الورقة معوقات الحوار الاسري الايجابي في الاسرة السودانية والتي تتعلق بوجود مفاهيم سلبية لدي الزوجين والابناء ، اذ يعمل الزوج علي الاستهانة بشكوي الزوجة ويعتبرها من اساليب الزوجة النكدية والاستخفاف باقتراحاتها لحل المشاكل المطروحة نظرا لعدم الثقة بقدرتها علي ايجاد الحلول المناسبة، اما الزوجة فتعتمد الاسلوب الاستفزازي لكي تخرجه من صمته وتدفعه للحوار وتعمل علي معاندة آرائه . ولتجنب الوقوع في الخلافات الاسرية ذكرت الورقة جملة متطلبات لنجاح الحوار من ضمنها تجنب الحوار في ساعة الانفعال والاخذ بالانفعال الايجابي اثناء الحوار، والاستعانة بكل اشكاله وادواته، ثم الحذر من جعل الطرف الاخر في موقف دفاعي بجانب الحرص علي الوصول الي نتيجة واختيار الوقت المناسب للحوار . واكد سليمان انخفاض مؤشرات الحوار الاسري في السودان بناء علي مقياس دراسة عن البئية السودانية 2009م علي عينة مكونة من 200 مفحوص من الاناث بجامعة الخرطوم . وحملت استاذة علم الاجتماع بجامعة النيلين، دكتورة هاجر علي محمد بخيت في تعقيبها علي الورقة حملت الظروف والمتغيرات التي طرأت علي المجتمع السوداني مسؤولية الظواهر السلبية التي برزت داخل الاسرة السودانية، واعربت هاجر عن استيائها لاختفاء (صينية الغداء) وقالت انها كانت بمثابة جلسة حوار للعائلة تتخذ فيها القرارات، وتنفذ وتتابع. ورأت هاجر ان غياب تلك الجلسة اثر علي النسيج الاجتماعي فأصبحت المحاكم و(شلليات) الابناء هي من يتخصص في حل مشكلات الاسرة التي اصبحت بلا كبير، وطالبت هاجر بالعودة الى الاصول الاسلامية التي وضحت كيفية ادارة الاسرة ووزعت مهام افرادها والموروثات والقيم الاجتماعية . من جانبه، شن اختصاصي علم النفس، دكتور معاذ شرفي، هجوما حادا علي اسلوب التربية الاسرية بالسودان، ووصفه بالدكتاتوري وعدم احترام الاخر والتكريس للسيطرة الابوية، واضاف شرفي ان ثقافتنا في التربية بعيدة عن التعاليم الدينية والعلمية، وتؤدي الي الاختلال الاجتماعي والغاء الطرف الاخر .