استشهد الشيخ عز الدين القسام «1781 - 5391م» ورفاقه محاصرا في جبال حيفا بعد ان اعد الانجليز لقتله قوة عسكرية ضخمة اشتركت فيها الطائرات ومدافع الميلان، استمرت المعركة غير المتكافئة عدة ساعات طلبت القوة الانجليزية لما احكمت حصارها من الشيخ القسام الاستسلام لكنه صاح صيحته المشهورة والتي لا تزال كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للمقاومة الاسلامية ترددها «هذا جهاد اما نصر او استشهاد». قتل القسام في تلك المعركة ليبقى رمزا خالدا وملهماً حقيقيا فهو ليس ارهابيا ولا ارعنا متهورا لكنه كان ابياً كريم النفس مخلصاً واميناً بعقيدته وكرامته. ولد الشيخ عز الدين عبد القادر مصطفى محمد القسام في مدينة جبلة محافظة اللاذقية في سوريا وسافر الى الازهر ليكمل علومه ثم عاد منه شابا عالما وقورا وبدأ يدرس في جامع السلطان ابراهيم واقام مدرسة القرآن واللغة العربية في مدينة جبلة سنة 1920م. شارك في الثورة ضد الفرنسيين وتم سجنه وحاولت السلطات العسكرية الفرنسية شراءه واكرامه بتوليه منصب القضاء فرفض. قاد اول مظاهرة تأييدا لليبيين في ثورتهم ضد الايطاليين. كون سرية قوامها مائتا وخمسون متطوعا وقام بحملة لجمع التبرعات بدأها ببيع بيته ثم ترك قريته الساحلية وانتقل الى القرى الجبلية ذات الموقع الحصين ليساعد عمر البيطار في ثورة جبل صهيون «9191 0291م» واصبح رئيسا لجمعية الشبان المسلمين. بعدها انتقل الى فلسطين «2291م» مستقرا بالقرب من حيفا وفي معيته عدد من الشيوخ منهم الشيخ محمد الحفني. لم يكن الشيخ عز الدين القسام محاربا فقط بل كان مرشدا وواعظا ومعلما ولم يكن مترفعا على عامة اهل القرى من الفلاحين بل كان يجوب الحقول ويجلس مع مرتادي المقاهي الذين يتعاطون الشيشة ناصحا ومعلما برفق وتواضع مما جعل اهل تلك القرى يكنون له الاخلاص والمحبة والوفاء. كانت الظروف مهيأة تماما للشيخ عز الدين القسام في ان يعيش في رغد من العيش والجاه والابهة وان ينعم بهواء الساحل العليل في اللاذقية مزهوا بزي شيخ الازهر والذي ان رغب اضاف اليه القابا اخرى كانت السلطات الفرنسية على استعداد لمنحها له. لكنه رغب عنها ورفض ببساطة سيادتهم عليه وعلى بلاده وفضل «المقاومة» واستطاع ان يعيد شق الطريق الواضح المستقيم الذي شقه اسلافه عندما تصدوا للامبراطوريتين البيزنطية والفارسية. فكان له ما اراد قُتل محاصرا بقوة ضخمة مع قلة من رفاقه في شباط 5391م ليظل صوته مدويا حتى هذه اللحظة في فلسطين «هذا جهاد اما نصر او استشهاد» فهل استطاعوا قتله؟! في البيت الابيض الامريكي رُدهة تؤدي الى مكتب الرئيس في اعلى الباب المؤدي الى هذا المكتب لوحة بالالوان الزيتية «لكاوبوي امريكي» يعتلي حصانا جامحا يكاد يطير يحمل مسدسدا في احدى يديه ويشد لجام الجواد باليد الاخرى. وعلى جانبي الردهة الرايات المختلفة لوحدات الجيش الامريكي وعلى الحائط بجانب الباب المؤدي الى مكتب الرئيس الامريكي مُعلَّقة وثيقة استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية طلب منّا مرافقنا ان ننتظر في هذه الردهة فاصبحت اجول ببصري بين لوحة «الكاوبوي» ووثيقة استسلام اليابان وانا اتأمل في اللوحة انتقلت بخاطري الى بيت الخليفة في ام درمان لتملأ عليّ صورة عثمان دقنة في وقفته المهيبة ولفتته الجسورة وهو اسير آسِر من اسروه بشموخه وعزته ثم صورة الخليفة عبد الله التعايشي المشهورة وهو يشير بسيفه من على حصانه ولم يقطع خواطري الا صوت مرافقنا وهو يأمرنا بالدخول على الرئيس الامريكي كان هذا في يوليو 6002 في زيارة رسمية عندما خلوت بنفسي في المساء اندهشت للخاطر القوي الذي نقلني الى بيت الخليفة فقلت لنفسي لقد تربينا على اختزال الزمن والمكان فقد كان والدي امد الله في ايامهما ونحن دون العاشرة وحتى «طاشرات العمر» يحرص في الاجازات في منزلنا المتواضع وعلى ضوء النار ووجهه يشرق ويتوهج ويتحول الى شعلة من الزهو والفخر وهو يحدثنا او يدرسنا «عن فتوح الشام» وعن صبر المجاهدين وعن عتاد الروم وعدتهم التي تتحول الى لا شيء امام العزيمة والايمان والاخلاص والتوق لنيل الشهادة. كانت تلك الصور والعبر والدروس تأخذنا الى اماكن لا فكاك منها وهي اي تلك الدروس والعبر والانسانية في ابهى تجلياتها هي التي اخذت القسام من سواحل اللاذقية ذات النسيم العليل ومن التنزه بين اشجار الزيزفون وحقول البرتقال والزيتون الى حيث ظلت صيحته باقية وهي ذات المعاني والعبر التي اخذت بن لادن الى مواجهة دولة يتبعه رفاقه لم يقلوا عنه ايمانا وهي ذات الصور والمعاني الخالدة والانسانية في ابهى تجلياتها التي جعلت مايكل هارت يضع سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام في رأس قائمته التي حوت اسماء اكثر الرجال الذين اثروا في التاريخ ومجراه مبررا اختياره لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه استطاع ان يوحد العرب ويهزم الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية. وهو الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح مطلقا على المستوى الديني والدنيوي». وهي ذات المعاني والنموذج الانساني في قمة تجلياته التي جعلت جيمس متشن في مقال له عن الشخصية الخارقة ان يقول عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بشخصيته الخارقة للعادة ان يحدث ثورة في الجزيرة العربية وفي الشرق كله وان يحطم الاصنام بيده وان يقيم دينا يدعو للايمان بالله وحده. وهي ذات الصور والمعاني والانسانية متجلية في ابهى صورها التي جعلت الفيلسوف الفرنسي كارديقو يقول «ان محمد النبي الملهم والمؤمن لم يستطع احد ان ينازعه المكانة العليا التي عليها لانه رسخ شعور المساواة والاخاء بين الكتلة الاسلامية والذي كان ينطبق عمليا حتى على النبي نفسه». ان صورة اسامة بن لادن وقبله عز الدين القسام، ان صورتيهما ترمزان الى الجانب العملي من القيم التي آمنا بها. وقد قدما دروساً عملية لتطابق القول والفعل لذلك لا يوجد مكتب لرئيس عربي او مسلم في اي قصر من القصور المنتشرة من طنجة لجاكرتا يليق بشرف تعليق صورتيهما ولا يجرؤ احد على نصب سرادق عزاء ليس خوفا من امريكا لكن لان النفوس مهزوزة مغلوبة على امرها لا تملك زمام ناصيتها. اذا قتلوه يقينا وان كان في ظني قد اسروه ومنعهم الرعب من قول الحقيقة كما منعهم الكذب عن اظهار صورته وأيا كان الامر فاذا بلغ بهم الخوف حتى جعلهم يخافون من ايجاد قبر له فانهم من قبل لم يستطيعوا قتل عمر المختار حتى بعد ان شنقوه بالحبل ولم يستطيعوا اخماد صوت عز الدين القسام اذ لا يزال يدوي في فلسطين. اما من يحاولون اتخاذ الشيخ اسامة بن لادن رمزا فعليهم ان يفعلوا ذلك قولا وعملا في جانب الزهد والتقشف وفي جانب النظر للمسلمين في اوطانهم نظرة الاخ لاخيه في دارفور وجبال النوبة في النيل الازرق قبل ان «يقشروا» بمسلمي فلسطين وغيرها. العنصرية والعنجهية لا تليق بالمسلم الذي يحلم برفع راية لا اله الا الله ولنا عبرة في الكتيبة الاولى التي ضمت بلالا وصهيبا وسلمانا، هذه ليست صدفة لكنها درس من دروس رسالة النبي صلى الله عليه وسلم الذي طبق الاخاء والمساواة عمليا على نفسه.