نشر (جيمس كولينس) في السنة الأولى من هذا القرن بحثا مثيرا في كتاب بعنوان (من الجيد إلى الممتاز). كان جيمس محتارا ان لماذا تحقق بضع شركات نجاحا منقطع النظير في مجالها، وربما تصل إلى العالمية، بينما تظل شركات أخر مقيدة في نطاقها المحلي وتفشل أخر فشلا ذريعا. ودرس جيمس في خلال عشر سنوات عددا من الشركات الأمريكية التي حققت نجاحا عالميا حتى يتمكن من معرفة الأسباب. ووجد ان هنالك سبع سمات اساسية تشترك فيها جميع هذه الشركات. اولى هذه السمات كانت قيادة الشركات. فكان رئيس مجلس الإدارة يتسم بالتواضع الجمّ والسماحة وكان يريد صادقا ان يقدم ما فيه خير الشركة. ووجد جيمس ايضا ان مدير الشركة يدير شبكة اسئلة دائمة، من هم افضل موظفي الشركة لكي يظلوا يعملون على متن سيارة الشركة بينما يحدد الموظفين الذين وصلوا إلى محطتهم ونهاية مطافهم فينزل من ال(بص). وبذلك يضمن المدير ان طاقمه الذي يدير معه الشركة هم افضل طاقم من الممكن التحصل عليه في ال(سوق) ويعمل بعد ذلك على الحفاظ على الموظفين في الشركة بشتى السبل والمغريات. وجد جيمس ايضا ان مدير كل شركة كان واقعيا بشكل كبير، كان يدرك تماما الخطر الذي يحيق بشركته ووضع اسهمه في السوق العالمية لكنه يظل دائما قويا وآملا في إناطة الخطر الذي يهدد طريق الشركة التي يرأس مجلس إدارتها. كذلك وجد الباحث ان إستخدام التكنولوجيا (لاحظوا ان البحث نشر في 2001 إي ان الدراسة نفسها جرت في خلال التسعينيات قبيل إنتشار التكنولوجيا بشكل كبير) له اثر كبير في توسيع دائرة الشركة. كل هذه السمات، وإن تبدو بديهية، لكنها في ذات الوقت تحتاج بالطبع إلى كثير من الإنضباط والحزم. لكن واحدة من السمات كانت هي اهم ما لفت نظري في الكتاب. لقد تحدث جيمس في بحثه عن اهم سمة، بالنسبة إلىّ، وهي ان يعد مدير الشركة اشخاصاً يلتمس فيهم الكفاءة لكي يقودوا الشركة من بعده. وقال جيمس في مؤلفه ان المدير حينما يعد، وبشكل لائق، اكثر من شخص بعده يضمن إستمرارية تقدم الشركة وإزدهارها حالما رحل هو عن قيادة الشركة او عن الحياة برمتها. وبذلك تصبح هذه الإستمرارية واحدة من سمات المدير الممتاز الذي يسمو بمكانة شركته عاليا. ووجدت هذه السمة مثيرة للإهتمام، فالأمر حقيقة لا يتعلق فقط بالشركات بل وحتى بالدول والحكام وقادة الحركات. خذ مثالا معظم رؤساء الدول العربية والأفريقية، إنهم لا يريدون ان يكون هنالك من ينافسهم في حكمهم ويريدون ان يظلوا على مقاعدهم مدى الحياة ما إستطاعوا، ولذلك (يقطعون) دابر كل من يتوسمون فيه المهارة والمقدرة. هذا على عكس كثير من الدول الاخرى والتي تدرك تماما ان حكامها سيظلون في قيادة البلاد لسنوات معدودة. وما لم يتمكن الحزب من تنمية شخصية اخرى حتى تنتخب سيأخذ منهم الحزب الآخر دفة حكم البلاد. لذلك تصبح الشخصيات الماهرة مثل الاحجار الكريمة التي يبحث عنها بحثا مستفيضا، بينما نرميها نحن بقوة حتى (نغتس) حجرها، تماما!!