دوما كانت للأسوار طبيعة مختالة تتراوح بين الاختباء والتحصّن وبين الزهو والمفاخرة ، وهي عميقة بمدلولاتها وغائرة في نفوس البشر، وكلما بنينا سورا عاليا يصعد الي عنان السماء اخفينا عن الواقع مشكلة او واجبا كان يفترض الاهتمام به ، هذا ما علمتنا اياه علوم الاثار والتاريخ ، وكان هذا ما يدور في ذهني اثناء زيارتي لمدينة كوستي . فالمدينة تشهد حركة اعمار مدني من جانب المحلية لكن في الاتجاه الخطأ فقد شيد سور من الاسمنت علي امتداد ميدان الحرية اشهر ميادين السودان وليس كوستي فقط فالميدان يقف في مكانه منذ اكثر من ستين عاما يخدم مولد النبي «صلى الله عليه وسلم» كل عام ويجسد الحرية الشخصية الكوستاوية التي طالما عرفت باستقلاليتها ويتم ترصيف جوانب الشوارع علي امتداد شارع الدويم والشارع الرئيسي الممتد عبر المستشفى والسرايات، وشيدت نافورة جميلة قرب سينما كوستي ، كل ذلك يسير في تطوير وتجميل المدينة ولا غبار عليه ، بيد انه يناقض الفكرة والحكمة الادارية « ترتيب الاولويات » والتي تبدأ من المهم والعاجل الي غير العاجل وتنتهي بغير المهم لان المدينة تعاني من مشكلة مزمنة في تصريف مياه الخريف ناتجة من الطبيعة الطبوغرافية للمدينة مما يتطلب الوضع جهودا جبارة غير عادية تصل الي لب المشكل مع ملاحظة ان معدل الامطار في كوستي من اعلي معدلات الامطار في السودان ، وفي جولة علي نظام تصريف مياه الخريف نجد الاهمال وعدم الصيانة ملمحا اساسيا للمصرف الرئيسي لكوستي والذي يمر بوسط المدينة متجها من غرب المدينة ومارا بالسوق الكبير والي مصبه بالنهر، بينما في خيران حي النصر والسكة حديد فالوضع اشبه بمناطق المستنقعات لكثرة الكسورات في شبكة مياه كوستي، اما في الاحياء ما وراء قوز السرايات والتي تمتد من مربعات 26 و 27 و 28 والرابعة و 34 والسوق الشعبي والامتدادات الجديدة 41 و 42 و حي الاندلس كل اوضاع المصارف تئن تحت وطأة الاهمال وسوء تصميمها رغم ان اوضاع هذه المصارف يسأل عنها معتمدو كوستي السابقون، لان المعتمد الجديد استلم مهامه قبل اقل من عام لكنه مسؤول عن اوضاع المصرف الرئيسي وتطهير المصارف الاخري ، والان سيبدأ خريف كوستي ولن يتوقف الا بعد اخر عينات الخريف وعندها « اللواري بتقيف « وان الخريف لناظره قريب لاننا بنينا الكثير من الجدران وقليلا من الخيران .