عندما تهز البعوضة جناحها في كوستي .. يقل مستوى الخدمات في الخرطوم وذلك عبر هجرة بعض سكان المدينة من جيوش البعوض .. في دورة مفرغة من نقص الخدمات بالولايات وزيادة مشاريع التنمية بالخرطوم دون ان تحقق المرتجى منها .. واينما نظرت ببصرك في كوستي فثمة بعوض يختبئ بين ثنايا الحشائش النامية في ساحات المدينة الممتلئة بالمياه الراكدة .. منتظرا حلول الظلام ليبدأ طلعاته التي لا تتوقف ، ( الصحافة ) تجولت في احياء المدينة المهمومة بعجز تصريف مياه الخريف لترصد معاناة مستمرة ومتجددة وعصية على مهندسي ومسئولي المدينة . بدأنا الجولة من حي الرابعة اشهر الاحياء الشعبية بالمدينة التي تشتهر ببناء بيوت الجالوص والمحاصر بأربعة من شوارع الزلط التي لم تترك لمياه الحي طريقا للنفاذ .. وفي كل شوارع الحي بلا استثناء كانت المياه تتدفق من المصارف الى ساحات الحي في دورة متواصلة بين المصارف والميادين. ويقول احمد عبدالله ان معاناتهم مع تصريف مياه الخريف تتجدد كل عام مسببه خسائر في تهدم بعض المنازل ، ويؤكد عبدالله ان معدلات الاصابة بالمرض لديهم كبيرة خصوصا الاطفال . وفي حي ابو شريف كانت المياه تملأ الساحات ما عدا المنطقة العالية التي توجد بها جامعة الامام المهدي وتوضح الحاجة آمنة الامين انهم في قوز ابو شريف لم يكونوا يعانون من البعوض الا بعد انشاء مجمع داخليات الجامعة بطوابقه المتعددة وارجعت الحاجة آمنة تكاثر البعوض الى مياه الصرف الصحي للمجمع. وفي احياء الخريجين والصفاء والمروة والقدس والاندلس ومربعات 34 والمربعات الجديدةجنوب الزلط المؤدي الى الابيض كانت الصور هي نفسها ساحات مليئة بالمياه الراكدة تعجز مجاري الخريف عن تصريفها واعشاب ترتفع سامقة الى السماء معلنة عن حيازتها للميادين عنوة واقتدارا .. وكان اعجب مافي الحشائش انها من نوع نبات « السعدة « والذي يعتبر من نباتات المستنقعات ولا ينمو الا في حالة غمر الارض بالمياه لمدد طويلة كما يحدث في حالة نبات الارز .. وكثيرا ما كنا نصادف بعض من يعملون في مجال الاعلاف وهم يحصدون الحشائش من داخل الاحياء في هبة مجانية منحها لهم فشل المحلية في تصريف مياه الخريف . يقول محمد عبدالقادر ( مربع 28 ) ان ميادين الحي في كل عام تمتلئ عن بكرة ابيها بمياه الخريف التي لا تجد طريقا للتصريف . وفي احياء المرابيع والنصر والسكة حديد كانت المناظر نفس الاحساس والشبه خصوصا في ميدان المدارس وميدان السكة حديد . توجهنا نحو ثلاثة من اهم مصارف المياه في كوستي لنرصد مدى قدرتها على تصريف المياه وفي الخور الكبير المبني من الخرصانة والمتجه من غرب المدينة الى شرقها مارا بالسوق الكبير كان الخور يعجز عن تصريف المياه عند منسوب معين اذ بني الخور اعلى من مستوى منبعه ويصرف فقط المياه اعلى ذلك المنسوب .. وفي المصرف المحازي لشارع الابيض والمربعات 41 والاندلس والصائم كان المصرف عبارة عن مستودع للمياه وليس قناة تصريف وليس له نهاية ليصب فيها .. وفي المصرف الذي يشق الرديف والحلة الجديدة ويصب شمال المدينة جهة منطقة الحمرايا كان مثل سابقيه وكانما تلك المصارف شيدت لاستعياب المياه . وفي جولتنا بأحياء المدينة كانت الملاحظة التي تتبدى للعيان ان كل الزوايا والمساجد الصغيرة المشيدة داخل الاحياء بغرض تزويد نساء الاحياء بجرعات دينية ممتلئة بالمياه من الباب الى الباب وكان الدخول يتم عبر الخوض في المياه الى منتصف الساق. وعندما يأتي المساء وبعد صلاة المغرب مباشرة يأوى الناس الى « الناموسيات « لاتقاء لسعات البعوض والذي يهاجم الشخص باعداد كبيرة مقعدا المواطنين عن ممارسة اي انشطة سوى الجلوس في الناموسيات .. وفي كل مكان توجهنا اليه في المساء كانت الدعوات تستنكر كميات البعوض الرهيبة التي تغزو احياء المدينة . وثمة اسئلة كثيرة تحتاج الى اجابات .. لماذا تظل مياه كوستي عصية على الحل ؟ ولماذا تجري عمليات نظافة كل عام لمجاري اثبتت الايام عدم فاعليتها ؟ وايهما الاهم في اوليات المحلية تجميل المدينة ام تصريف مياه الخريف في منطقة تعتبر من اعلى معدلات سقوط الامطار بها ؟ وفوق كل هذا وذاك الملاريا مرض يصيب الجميع دون استثناء ويهدر موارد بشرية واقتصادية هائلة لمصلحة من يهمل تصريف المياه بطريقة علمية يمكن تعلمها مجانا من خدمة قوقل ايرث ؟