تحدها من الشمال مصر «الثورة» ومن الجنوب إريتريا ومن الشرق البحر، ومن خلف البحر السعودية، ومع ذلك لم تكن الجغرافيا وحدها لكن التاريخ أيضاً كان مسؤولاً عن وصف ولاية البحر الاحمر بأنها إقليم دولى صغير أكثر من هو سودان مصغر. وشكلت المساحة البالغة 218800 «ك. م» تنوعها التضاريسى من الجبال الشاهقة فى الوسط والغرب الى السهول الساحلية المنخفضة شرقاً الى الاراضى الزراعية المستوية فى الجنوب، وصاحب هذ التنوع تباين الانماط المعيشية والاقتصادية لقاطنى الولاية من رعى الى زراعة وتعدين فى الارياف، أما فى المدن فالموانئ والانشطة المصاحبة لها والتجاره والتوفر النسبى للخدمات سبب أساسى فى جذب المواطنين. كل ما ذكرناه كانت عوامل أثرت التنوع السكانى، فكل المجموعات وجدت فى المنطقة بيئة مثلى للعيش، وبرغم التمازج والاندماج والتصاهر بين المكون الاجتماعى لقاطنى المنطقة، نجد أن المواطن مهتم جداً بالانساب والسلاسل القبلية، فسكان المنطقة الاصليون هم من قومية البجا، وتنقسم الى خمس نظارات وهم الأمرأر، وتنتشر مجموعة القبائل المتفرعة عنها فى محليات بورتسودان والقنب والاوليب وجبيت المعادن وأجزاء من محليات سواكنوطوكر. وغير المساحة الشاسعة فإن مجموعات الأمرأر تحتل أكثر المناطق الاستراتيجية «موانئ تعدين» والأمرأر يعرفون بالكرم والحكمة، وناظرها مقيم بالولاية، وتقطن القبائل المنحدرة من نظارة الهدندوة بمحليات سنكات وهيا ودرديب ويشتهر الهدندوة بالفراسة والذكاء، أما نظارة البنى عامر فإن قبائلها تنتشر جنوبى الولاية وأجزاء من محلية طوكر. وعلى الرغم من أن البنى عامر من المكونات الاساسية والاصيلة لسكان الولاية وشرق السودان عموماً، الا أن لهم امتدادا واسعاً بدولة اريتريا و تحت مسمى «التقرى»، والبنى عامر يعرف عنهم قوة التدين وسرعة الاندماج فى المجتمعات المتمدنة. والشيء ذاته يتوفر لدى قبائل نظارة الحباب، حيث يشاركون البنى عامر المكان واللغة، ثم تأتى نظارة البشاريين والتى تحادد اراضيها جمهورية مصر، ويقع المثلث المحتل من قبل مصر من ضمن رقة اراضيها، وبالإضافة لتلك النظارات يوجد عدد من العموديات المستقلة مثل الارتيقة والاشراف والحسناب والشيعاب والكميلاب، ويعتبر القادمون من شمال السودان للولاية كوادر متخصصة وفئات وظيفية فى كل المجالات، وهم يحظون بتقدير واحترام الجميع، بالاضافة الى القادمين من الغرب والجنوب سواء أكان ذلك لاسباب تتعلق بالعمل او الظروف التى قاستها مناطقهم. وليس كل هذا ما يذكر عن قاطنى الولاية الثانية فى السودان من حيث التعدد الاثنى، فقد جمعت الموانئ الساحلية عددا من أجناس المعمورة ليكونوا إضافة للتنوع الموجود بالولاية أصلاً، فيحتل اليمانيون والحضارمة موقعاً متقدماً بين تلك المجموعات، بالاضافة الى المصريين وهم «أقباط وعدد كبير من العائلات الكبيرة»، والاتراك والجداويون «القادمون من مدينة جدة بالسعودية» والتباريز «قادمون من تبريز بإيران» والعراقيون «أكراد وكاظمية» والحبوش «قادمون من الحبشة» والألبان والأغاريق وغيرهم من الشعوب التى قدمت وتعايشت فى صورة لا تشبه الا مجتمع ولاية البحرالاحمر. الخبير والباحث فى شؤون القبائل والتراث الاستاذ جعفر بامكار تحدث ل «الصحافة» عن قوة الروابط والعلاقات العميقة بين تلك المكونات بقوله: إن آخر من يتحدث عن القبيلة هم مواطنو الشرق بصفة عامة ومواطنو الولاية على صفة الخصوص، ويضيف فى السياق ذاته: «كافة المكونات الاجتماعية تصاهرت وأفرزت نماذج مثل سنكات كناب» وهم المزيج والصهير الناتج عن تداخل القبائل والأسر، وطبعاً لا نشير للقبيلة المعينة التى تحمل المسمى، وكذلك أنموذج «السواكنية» ومن قبلهم «العقايقة» وهم سكان عقيق حينما كانت ميناءً مهماً، ثم أهالى بورتسودان. ويضيف بامكار أن القبلية لم تكن يوماً أداة تمييز أو تمّيز، ولا تذكر الا فى الموضوعات الاجتماعية كالزواج وغيرها، وظلت المواطنة هى الاصل فى التعامل بين الناس على الرغم من حرص الناس على معرفة قبائلهم وانسابهم. وعن احتمالية حدوث فتن على خلفيات قبلية يقول الاستاذ بامكار: «لن ينفرط هذا العقد الاجتماعى المتماسك مهما حدث، والضامن لهذا التقاليد والموروثات التى يلجأ إليها إنسان المنطقة، ك «السوالف» وقوانين العرف و«القلد» والمجالس والضامن الثانى هو علائق الجوار والتصاهر. وما يجمع الناس بالبحرالاحمر أكبر وأكثر مما يفرقهم. وهنا ينتهي حديث بامكار، لكن لن ينتهى حديثنا عن العلاقات الاهلية والتراحمية بين سكان الولاية، وهنا نوضح أن فكرة عنوان هذا التقرير مأخوذه من طريقة النطق باللغة العربية بالطريقة البجاوية، فأى من مواطنى الولاية مهما كانت أصوله يتحدث بالطريقة الادروبية وكمثال فى جمع الاشياء يذكر العدد ولا يذكر المعدود مثل «اتنين بيت» و «تلاتة يوم»، وكلمة «محطة» يقال لها «يافطة»، وغيرها من الكلمات التى تميز من عاش فى البحر الأحمر.