بينما كان أدروب غارقاً في إحباطاته بسبب الشيك المضروب الذي استلمه كاستحقاق نظير خدمة أداها لأحد السماسرة، إذا بهاتفه الجوال يرن بأغنية «صب دمعي وأنا قلبي ساكن، حار فراقك النار يا سواكن» التي جعلها نغمة يستقبل بها ما يرد إليه من مكالمات، نظر أدروب إلى شاشة هاتفه باستياء وبرود يستطلع الرقم الذي يهاتفه، زاد استياؤه وتضاعف احباطه حين أدرك أن المتصل من أهل بيته في تلك القرية البائسة المنسية و«المرمية» بإهمال على تلال البحر الأحمر، لم تكن تلك البقاع تشتهر بشيء مثل اشتهارها بانتشار أمراض الدرن والانيميا، كان ذلك حالها حين هجرها أدروب وهاجر إلى العاصمة طلباً لخلاص أسرته الصغيرة من الفقر والمرض، ولهذا لم يكن يتوقع أن يأتيه أحد من هناك بأي خبر سعيد، ولكن لا بد مما ليس منه بد، فهؤلاء أهله ولحمه ودمه والمثل يقول «أهلك لو كلاب أنبح معاهم»، لم يكن له مناص غير أن يستقبل المكالمة ويقبلها على علاتها وعللها، فقد كان أدروب يعقد آمالاً عراضاً على هذا الشيك، وضع خطة محكمة ومتوازنة للصرف من عائده على همومه العديدة وعلى رأسها إرسال مبلغ محترم ل «الحُرمة» التي أوشكت على الوضوع، ولكن كما يقال على قدر الآمال والتطلعات تأتي الاحباطات والخيبات. كان احباط أدروب كبيراً وعريضاً حين اكتشف أن هذا الشيك ما هو إلا وريقة غير مبرئة للذمة، ولا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به، «أيوا في شنو؟» هكذا بكل غلظة وحدة رد أدروب على مهاتفه، لم يحفل المتصل بهذه الجلافة بل على العكس بدا سعيدا وهو يحاول أن يبلغ أدروب الخبر السعيد «مبروك جابو ليك ولد، والجماعة قالوا يسموهو أوشيك»، لم يكد أدروب يلتقط العبارة الأخيرة «أوشيك» حتى جن جنونه وغامت الدنيا أمام ناظريه وهاج وماج وأرغى وأزبد وبرطم ورطن بكلام كثير، ختمه صارخاً بأعلى صوته «أوشيك ما نسمي أوكاش بس» أو كما قالت النكتة المروية والمتداولة.... وما أشبه حال الحكومة بحال أدروب، كلما ذكّرها أحد بحلايب أصابها الاحباط مصحوباً ب «كاروشة وام هلاهلا والحنكلو أب حكاً حلو»، تتلوى وتلف وتدور كملدوغ الحية، لا تكاد تخرج منها بجملة مفيدة ولا تعرف لها «صرفاً ولا عدلاً»، ولا تدري ما الذي ارتأته في حلايب واستقر عليه رأيها، أسودانية هي أم مصرية أم تكاملية مصروسودانية؟، تتقلب بين هذه الهويات بلا هدى أو كتاب منير، ولهذا لم تعد تزعجها كلمة لا ترغب في سماعها مثل كلمة حلايب، واذا أراد أحد أن يستثير حساسية الحكومة ويصيبها بالدوار فلا يجهد نفسه في حياكة المؤامرات ولاتنظيم المظاهرات ولا تحريك الدبابات، فقط أهمس في أذنها بكل أدب بكلمة حلايب، ستجد أنها قد ثارت وفارت وأرغت وأزبدت وتوعدت كل من ينطق بهذه الكلمة، ولهذا لم يكن مستبعداً أن تنفي خبر «SMC» المحسوبة على الحكومة، حول زيارة الرئيس المرتقبة لحلايب، وتقول تصحيحاً له على طريقة أدروب «أوسيف بس، حلايب ما نمشي»!!...