٭ «كنيش» تصغير «كُنُشْ» وهو الأداة المعروفة لصنع الكسرة والعصيدة وقد اشتهر آل كنيش من «البلل».. والبلل هي حلة كبيرة عامرة بقرب «نوري» وبينهما مقام للنبي «عُزير» على تلة فوق النيل يزوره أهل البلاد للتبرك.. قيل لم يكن نبياً بل كان ولياً صالحاً أو كما جاء في كتاب نعوم شقير جغرافية وتاريخ السودان.. الباب الثاني.. جغرافية السودان الاداية.. وكان آل كنيش حكاماً على مروي وما جاورها.. وقد عيَّن الانجليز بعد تحرير الخرطوم على يد الإمام المهدي.. محمد كنيش حاكماً على مروي ولكنه لم يقبل بالأمر وبايع الإمام المهدي وحارب مع الأنصار في موقعة «جنس».. كما جاء في موسوعة البروفسير عون الشريف قاسم القبائل والأنساب في السودان.. رحمه الله رحمة واسعة.. ٭ وبالأمس انتقل إلى رحاب المولى عزَّ وجل العمدة محمد أحمد الحسن محمد أحمد كنيش بعد عمر حافل بجلائل الأعمال، فشُقّ نعيه على محبيه وعارفي فضله وأصدقائه وأهله وجيرانه، فقد كانت تتوفر فيه مواصفات القائد الفذ كما جاءت في حِكَمْ الشيخ العبيد ود بدر يصف الحاكم بقوله:- «الحاكم فيهو قهر.. وعندو ضهر.. وبيتحمَّل السهر.. بيتو بيِّن.. وقَدَحُو ليِّن.. يفرِّش البِرِش.. ويدي القِرش» ، وقد اجتمعت كل هذه الصفات في فقيدنا العزيز وكان فوق هذا زينة المجالس نظافةً وقيافة.. نظارةً وبصارة.. قيادةً وإدارة.. ينطبق عليه وصف «والِدَة» موسى ود جلى لابنها وهي ترثيه «الناس تلد الناس... ساكت درادر.. وأنا ولدت موسى إِتْ يا الله قادر.. يدخل على السلطان جوابو حاضر.. قطَّاع مطارق الريف فوق العناقر» رحمهما الله جميعاً. ٭ وُلد العمدة محمد أحمد الحسن محمد أحمد كنيش بالبلل عام 1926م وتوَّلى منصب عمدة نوري في 1948 وحتى تعيينه رئيساً لمحكمة نوري الشعبية عام 1979 والفقيد خريج معهد التربية ببخت الرضا.. ولم يكن راغباً في القيام بمنصب العمدة إلا أن أباه ضغط عليه ليحل محله وقد كان.. يقول المؤرخ محمد عبد الرحيم إن آل كنيش من نسل حسن كاشف أغا من الخليلاب بحلفا والسُكُّوت والمحس.. وأول من أُشتهر منهم محمد أغا كنيش المولود بالبلل «1237ه-1822م» وقد حفظ القرآن على الشيخ محمد الصادق الكاروري بنوري ودرس الفقه على الفكي السعيد ود البشير في البلل وكان مهاباً وهو أول من ضرب النحاس بعد حسين كاشف أغا فلُقِّب بالكاشف كأسلافه، ونال حظوة كبيرة عند الخديوي اسماعيل، ولمَّا اندلعت الثورة المهدية سالَمَ محمد الخير وعبد الرحمن النجومي وأسهم بسهم وافر في حروب المهدية.. وهاجر إلى أم درمان وأعجب به الإمام المهدي وسار مع جيش المهدي وحارب الانجليز في «مكركي» وأبلى بلاءً حسناً وتوفى عام «1343ه» ، وكان قبل وفاته وقد تقدم في السن وكُفَّ بصرّه.. قد تنازل لابنه أحمد عن العمودية عام 1907م وكان أحمد محمد أغا كنيش «1874م-1932م» متعلماً شهماً أبي النفس ولم يكن الاستعمار الانجليزي براضٍ عنه ، وبعد وفاة «أحمد» تولى ابن عمه العمدة الحسن محمد أحمد كنيش المولود في البلل عام 1888م - العمودية عام 1932م.. حتى خلفه ابنه الفقيد محمد أحمد على المنصب عام 1948م. وقد ترجم لآل كنيش الأستاذ الكبير أحمد محمد شاموق، إلى جانب المرحوم البروف عون الشريف، والمؤرخ المرحوم محمد عبد الرحيم.. وكان لشيخ شعراء الشايقية «حُسونة» المتوفي بنوري في شهر رمضان 1349ه وكانت وفاته بعد ان اعتكف في منزله وتفرغ للعبادة وقد فاضت روحه في سراي السيد علي الميرغني في منطقة «الحواضير» آل حاج نور بجريف نوري وهو يشارك في أيام مأتم السيد أحمد شقيق السيد علي الميرغني وقد بلغ من العمر سبعين عاماً ، كانت له مواقف وقصص وحكايات مع آل كنيش فقد قال في مدح الكنيشاب: قولي لي أب أحمد في الرجال يا التلب يا أب نايباً خُلال أصلوا من ما تبَّ حقَّار يا أب زند عقلك ما استدار ينْقَطِع نظرُو تقول شرار سارحه فوق خيلو أمَّات شكَال ما سرح كان طالب لو مال وما قَرَعْ في الساقية تربَال وفي غياب العمدة أحمد بن محمد أغا كنيش حكم وكيله على الشاعر حسونة بالغرامة فاشتكى حسونة للعمدة بعد عودته شعراً وهجا أعضاء المحكمة: السلام يا الأغا ود كنيش خُبْ نِعَامَكْ توَّر الريش الرجال بُتَّاب وإنت عيش والرجال غيرك غَزَارْ ديش يشبهوا أب أحمد في القميص القمر ضوَّه والنجم بيش ٭ و»البُتَّاب» هو قشرة الذرة الذي ينفصل بعد أن يُدَقَّ ويُذَرَّى والديش.. الجيش.. فأحسن ود كنيش إليه بعد خصام وصالحه مع بقية العُمدَ بعدما أجار السيد الحسن الميرغني راجل كسلا الشاعر حسونة.. والحديث عن آل كنيش ذو شجون مع إن المناسبة حزينة برحيل أشهر رجال الادارة الأهلية. رحمهم الله رحمة واسعة والعزاء موصول لجميع الأهل وللأخ صلاح قوش وللأخ هاشم التركي ولكل الكنيشاب. وهذا هو المفروض