هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميت رومني... رئيس أميركا المقبل؟
نشر في الراكوبة يوم 25 - 01 - 2012

في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، إلا أن الجمهوريين
ما زالوا ينظرون إليه بعين الريبة. هل نظرتهم هذه مبررة؟ The Economist أبدت رأيها في هذا الشأن.
يوم انعقاد مؤتمرات أيوا في الثالث من يناير الجاري، نظم ميت رومني حشداً انتخابياً أخيراً في مقر سابق للماسونية وسط منطقة دي موان في الولايات المتحدة الأميركية. كالعادة، كانت هذه المناسبة منظمة بأدق تفاصيلها. لم ينفك أحد المساعدين يرتّب الحبال التي تفصل بين المقاعد المخصصة للصحافة، وتلك المخصصة للشعب أو للمقربين من هذا المرشح. كذلك دوَّن آخرون بيانات الوافدين الجدد في لوائح، في حين رافقهم مساعد ثالث إلى الزاوية الأقل اكتظاظاً في قاعة الاجتماعات.
ما إن بدأت أغنية حملة رومني Born Free تصدح من مكبرات الصوت («جامح كحصان لم يُروَّض... إن لم تتمكن من رؤية قلبي فأنت أعمى)، حتى دخل هذا المرشح الغرفة وتبعته مجموعة مميزة من أفراد عائلته وأعضاء الكونغرس. اعتلى المنصة وبدأ بإلقاء خطابه الجريء المعتاد عن رفض أوباما للطريقة الأميركية، بخلافه هو الذي يتبعها في حياته كرجل أعمال أو حاكم لماساتشوستس.
فيما بدأت تلك الليلة نتائج المؤتمرات تنكشف وتبين أن رومني وريك سانتورم، سيناتور سابق من بنسلفانيا، سيتشاطران المراكز الأولى، خاطب رومني الناس ثانية. كان من الصعب التحدث عن الانتصار أو الاستسلام والتنازل. لذلك، انتهى به المطاف إلى تكرار الخطاب عينه الذي ألقاه في الصباح. لم يشر إلى تحوّل مجرى الأحداث المذهل خلال النهار، باستثناء تحية موجزة وجهها إلى المرشحين المتقدمين الآخرين. وبما أنه لم يكن واثقاً من اللهجة الصحيحة التي ينبغي تبنيها أو إلامَ ستؤول الأمور، قرر الالتزام بنص يألفه.
لا شك في أن هذا قرار نموذجي: يُعتبر رومني نقيض الحصان الجامح المندفع في أغنية حملته الانتخابية، فهو يبالغ في الحذر والانضباط والتحضير، وقد عادت عليه هذه الصفات بنجاح كبير كرجل أعمال، وساعدته على المضي قدماً في حياته السياسية. كذلك يبدو أنها ستمنحه ترشيح الحزب الجمهوري بعد فوزه بولاية نيوهامشير، ما يتيح له مواجهة أوباما في وقت لاحق من هذه السنة.
لكن هذه الصفات تشكّل أيضاً أساس تأرجح الناخبين الجمهوريين في الانتخابات الأولية بشأن مرشحهم المفترض. يبدو رومني غالباً أنه يدرس خطواته كافة بعناية ويحسبها بدقة، ما يجعله يحلم بطموحات كبيرة، إلا أنه يفتقر إلى الشغف والحدس والقناعة. كما ذكر فرانم لونتز، مستشار جمهوري، يتمتع رومني بالصفات كافة التي يود الجمهوريون أن يتحلى بها الرئيس، غير أنه يفتقر إلى صفات يبحثون عنها في مرشحهم للرئاسة.
خطيب ماهر
لا يمكن لأحد التشكيك في ذكاء رومني، فهو خطيب ماهر واسع الاطلاع، وإن بدا أحياناً متصنعاً. فضلاً عن ذلك، تلقى كتاباته صدى واسعاً وإيجابياً، ويُستشهد بها في شتى المراجع من شعر تنيسون إلى مقالات أكاديمية عن التاريخ الاقتصادي. في شبابه، قُبل رومني في عدد من كبرى الجامعات الأميركية، بما فيها ستانفورد وهارفرد. فتخرج بمرتبة الشرف في كلية الحقوق في هارفرد. كذلك، كان بين الخمسة في المئة الأوائل في صفه عند تخرجه في كلية الأعمال في هارفرد.
أما في عالم الأعمال، فحقق رومني نجاحاً كبيراً. بعد أن أمضى فترة وجيزة في مجموعة بوسطن الاستشارية، دعته مؤسسة استشارية منافسة تدعى Bain للانضمام إلى صفوفها، واختاره رئيسه الجديد لاحقاً (بسبب دقته وحذره على ما يبدو) لتأسيس شركة أسهم خاصة تابعة لBain تُدعى Bain Capital. خلال جولته الاستثمارية الأولى في Bain Capital، حوّل رومني 37 مليون دولار إلى مئتي مليون دولار. فقد دعم بعض أنجح الشركات، مثل Staples (سلسلة لمستلزمات المكاتب) وDomino's (سلسلة مطاعم لصنع البيتزا)، وجاء أداؤه مذهلاً إلى درجة أنه استُدعى لاحقاً لإدارة Bain بحد ذاتها. هكذا، نجح رومني في تكديس ثروة وصلت إلى مئتي مليون دولار تقريباً.
علاوة على ذلك، أصاب رومني أيضاً نجاحاً كبيراً في القطاع العام. فقد ترك Bain لينظِّم الألعاب الأولمبية الشتوية في سولت لايك سيتي التي كانت تلفها الفضائح، خصوصاً بعد تأخر التحضيرات لها. فحولها رومني إلى نجاح باهر، محققاً فائضاً في الميزانية. تمكن بعد ذلك من الفوز في انتخابات حاكم ماساتشوستس، مستغلاً خلال حملته درايته في عالم الإدارة. خلال عهده في هذا المنصب، استطاع القضاء على عجز آخر في الميزانية، مقاوماً في الوقت عينه رغبة الغالبية الجمهورية في المجلس التشريعي للولاية بزيادة ضريبة الدخل. كذلك، وضع خطة مبتكرة ليضمن حصول الجميع على الرعاية الصحية في الولاية.
خلال مسيرته هذه، تمكن رومني من الحفاظ على حياته الشخصية بلا أي شائبة على ما يبدو. فقد تزوج من حبيبته في المدرسة الثانوية آن عام 1969، حين كانا يتابعان دراساتهما الجامعية. كذلك يُقال إنه رفض مشاركة بعض زملائة في Bain في الاستثمار في شركة أفلام صغيرة بحجة أن ما تنتجه معيب بعض الشيء. وعندما سئل عن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه خلال محاولته الفوز بمعقد في مجلس الشيوخ عام 1994، محاولة باءت بالفشل، تأسف لأنه لم يمضِ سوى يوم في الأسبوع في مساعدة المحتاجين.
عامل المورمون
رومني ملتزم دينياً ويتردد باستمرار على الكنيسة، وأقنع زوجته ووالدتها وشقيقتيها بالانضمام إلى الكنيسة المورمونية. عندما كان شاباً، أمضى سنتين ونصف السنة في إرسالية في أوروبا. أما خلال تكديسه الملايين في Bain، فخصص أيضاً الوقت ليكون رأس جماعته المحلية قرب بوسطن، وأصبح بعد ذلك ممثلاً بارزاً للكنيسة المورمونية في المنطقة. أكثر من ذلك، فالتزاماً منه بإيمانه ومعتقداته، امتنع عن شرب الكحول والشاي والقهوة والتدخين.
لكن خلال حملات رومني السياسية المختلفة، استخدمت هذه الخصال الحميدة ضده. فقد تحولت تقواه، التي تُعتبر عادة أمراً إيجابياً في السياسة الأميركية، إلى عبء بسبب علامات الاستفهام التي تحيط بالمورمونية، معتقد لا يدين به سوى 2% من السكان. كذلك، أعلنت طوائف مسيحية عدة أن المورمون ليسوا مسيحيين بسبب اختلافاتهم العقائدية الكثيرة والإضافات التي أدخلوها من القرن التاسع عشر إلى الإنجيل، مع أن يسوع يؤدي دوراً رئيساً في معتقداتهم.
في استطلاع للرأي أجراه في شهر نوفمبر الفائت مركز «بيو» الذي يُعنى بشؤون الدين والحياة العامة، اعتبر نصف المشاركين فقط أن المورمون مسيحيون، وتدنت هذه النسبة إلى الثلث بين الجمهوريين البروتستانت الإنجيليين الذين يشكلون جزءاً كبيراً من الناخبين في عدد من ولايات عدة في الانتخابات الأولية (بما فيها كارولاينا الجنوبية). كذلك، قال نحو 8% من الجمهوريين كافة و15% من الإنجليين البيض إن دين رومني قد يقلل من احتمال تصويتهم له. لربما يملك عدد أكبر وجهة النظر عينها، إلا أنهم يترددون في التعبير عنها بسبب الإحراج.
لكن من بين الناخبين الذين استطلع رأيهم مركز «بيو»، أدرك النصف فقط أن رومني من المورمون. وعندما شدد قس من تكساس علانية على أن المورمونية «بدعة» و{دين مزيف» في شهر أكتوبر الماضي، اتحد المرشحون الجمهوريون في تنديدهم برأيه هذا. كذلك، أقر ستيف ديس، معلق على إحدى المحطات المسيحية في أيوا، أن النظرة السائدة إلى المورمون قد تكون مجحفة، لكنه أشار إلى أن إيمان رومني قد يكون المشكلة الأقل أهمية في تعامله مع الإنجليين، مؤكداً أن غموضه وتقلباته الكثيرة كمرشح للرئاسة تقلقهم كثيراً.
علاوة على ذلك، قد يجني رومني فائدة كبرى من معتقده هذا في الولايات التي تصوت في مرحلة باكرة من الانتخابات الأولية وتضم كثيراً من المورمون، مثل نيفادا وأريزونا. أما في الانتخابات العامة، فلن يشكل الدين عقبة كبرى، بما أن الشعب عموماً لا يأبه بهذه المسألة، فضلاً عن أن إنجيليين كثراً يعتبرون باراك أوباما أقل تديناً منه.
على نحو مماثل، يُعتبر سجل رومني كرجل أعمال سيفاً ذا حدين. يقول رومني أنه ساهم في إيجاد مئة ألف فرصة عمل خلال إدارته Bain، مع أن هذا الادعاء أثار بعض الشكوك بشأن روايته هذه. كذلك يؤكد أن هذا يجعله مؤهلاً أكثر من أي مرشح آخر، بمن فيهم أوباما، لحل مشاكل الولايات المتحدة الاقتصادية.
لكن لم تلقَ استثمارات Bain Capital كافة النجاح. أظهرت صحيفةWall Street Journal أن 22% من الشركات التي استثمرت فيها Bain أموالاً طائلة أقفلت أو أفلست في غضون ثماني سنوات (كانت Bain قد قطعت علاقتها بها بحلول تلك الفترة). حتى تلك التي لم تقفل أبوابها صرفت عدداً كبيراً من العمال. وخلال حملات رومني لتبوؤ مناصب عامة، عرض خصومه قصص كثيرين خسروا وظائفهم عقب استيلاء Bain على شركات يعملون فيها، وقد وصف هؤلاء البائسون رومني بأنه لص متحجر القلب يهتم بالأرباح أكثر من الناس.
اعتاد رومني الرد على هذه الاتهامات بالتأكيد على أن قطاع الأعمال ينطوي على مخاطر جمة، لكن هذا المرشح لا يعبر عن حماسته للرأسمالية الأميركية التي لا ترحم. في No Apology، كتاب ضمنه رومني آراءه ومبادئه ونشره عام 2010، يخصص الأخير صفحات عدة ليوضح مفهوم «الفوضى الخلاقة» والدفاع عنه. يذكر أن الولايات المتحدة تُحسن استغلال رؤوس الأموال والمواهب، ويعود ذلك في جزء منه، بحسب رومني، إلى أنها لا تمنع الشركات الفاشلة من الانهيار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لخفض عدد الموظفين أن ينقذ أحياناً بعض الشركات المتعثرة ووظائف عدد من عمالها، على حد قول رومني، في حين أن رفض هذا الحل يؤدي غالباً إلى هلاك الشركة بأكملها، ومعها وظائف العاملين فيها كلهم.
غني كثير التقلب
لا شك في أن ما ذكره رومني صحيح، إلا أن السياسيين يتفادون عادة التطرق إلى أمور مماثلة خلال الحملات السياسية، خصوصاً أن معدل البطالة في هذه البلاد يبلغ 8.5%. علاوة على ذلك، لا يتحدث رومني بصراحة في هذا الصدد. فلم تنهار الشركات كافة بعد تدخل Bain من تلقاء ذاتها. فقد حملتها الأخيرة ديوناً كبيرة، فيما كانت تحقق هي أرباحاً طائلة. لنتأمل، مثلاً في حالة Dade International، شركة تصنّع معدات طبية اشترتها مجموعة شركات، من بينها Bain، عام 1994. حصدت الأخيرة عام 1999 من هذه الشركة 242 مليون دولار بعدما استثمرت فيها 30 مليوناً، وقد حصدت هذه الأرباح بعدما سعت Dade إلى إعادة شراء حصصها بأموال مقترضة، وما هي إلا ثلاث سنوات حتى أعلنت إفلاسها نتيجة الديون المتراكمة.
لكن لم يفقد كل موظفي شركة Dade عملهم، لأنها نجحت في تخطي مرحلة الإفلاس. كذلك، كان رومني قد ترك Bain ليتولى إدارة الألعاب الأولمبية في سولت لايك سيتي قبيل عملية إعادة الشراء المشؤومة تلك. علاوة على ذلك، لم توصل غالبية استثمارات Bain الشركات المعنية إلى نهايات مأساوية. لكن هذه الشوائب البسيطة في سجل رومني تتيح لخصومه تقويض أساس حملته الانتخابية: تاريخه في إيجاد وظائف جديدة.
تبدو تُهمة أن Bain نشرت المآسي أينما حلت غريبة نظراً إلى أن رومني يتحدر من أسرة ميسورة. صحيح أن والده، جورج رومني، صنع نفسه بنفسه، إلا أن هذا المدير في شركة للسيارات كان رجلاً عنياً. تخلى جورج رومني عن عمله ليصبح حاكم ميشيغان. ترشح للرئاسة، بيد أنه لم يفز. وانضم بعد ذلك إلى إدارة ريتشارد نيكسون، فتبوأ منصب وزير الإسكان والتنمية المُدنية. نتيجة لذلك، عاش رومني الصغير في حي كبير وارتاد مدرسة خاصة واختلط بالأوساط الرفيعة الشأن.
ضاعف رومني الثروة التي ورثها خلال عمله في Bain. في الوثائق الانتخابية السنة الماضية، قدّر قيمة ثروته الصافية بين 85 مليون دولار و264 مليوناً، لتُقدّر لاحقاً خلال حملته بين 190 مليوناً و250 مليوناً. لكنه حرص على ألا يلفت النظر إلى ثروته الطائلة هذه. كذلك، باع شاليه للتزلج في يوتاه ومنزلاً فاخراً خارج بوسطن قبل انطلاق الحملة الانتخابية (إلا أنه ما زال يملك منزلاً على الشاطئ في كاليفورنيا، وآخر على إحدى البحيرات في نيو هامشاير، ومنزلاً ثالثاً متواضعاً نسبياً قرب بوسطن). وبخلاف الكثير من المرشحين الرئاسيين، يرفض نشر كشوفاته الضريبية.
تضم الولايات المتحدة كثيراً من السياسيين الأثرياء، ولا شك في أن أموالهم تساعدهم في الفوز بالمناصب التي يسعون إليها، مع أن رومني لم ينفق أياً من أمواله الشخصية على حملته الحالية (أنفق 42 مليون دولار خلال الحملة السابقة). لكنه معتاد للأسف على تسليط الضوء، وإن عن غير قصد، على الفجوة الكبيرة التي تفصله عن معظم الأميركيين. ففي إحدى المناظرات بين المرشحين الجمهوريين، عرض على ريك بيري الدخول معه في رهان بقيمة 10 آلاف دولار. وخلال حديث درا قبل أيام عن فوائد السماح للعملاء باختيار شركة التأمين الصحي، ذكر أنه يحب طرد الناس. هكذا، يسعى خصومه إلى إثارة ضجة كبيرة حول تعليقاته هذه، ولا شك في أن المسؤولين الإعلاميين في حملة أوباما سيحذون حذوهم قريباً.
لعل العقبة الأبرز التي تعترض طريق رومني نحو الفوز بترشيح الحزب الجمهوري سجله الليبرالي نسبياً كحاكم لولاية ماساتشوستس. فقد أشار خصومه إلى دعمه الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، استعداده لزيادة العائدات برفع الرسوم والتخلص من الثغرات الضريبية، وتبنيه مفهوم أن الحكومة تستطيع أن ترغم الأفراد على شراء تأمين صحي. لكن هذه السياسات كافة صارت مكروهة في نظرة اليمين منذ تخلي رومني عن منصب الحاكم عام 2007، مع أنها لم تكن مثيرة للجدل إلى هذا الحد آنذاك.
الأسواء من ذلك أن رومني يحاول اليوم أن يظهر في صورة المحافظ الملتزم. إلا أن هذه السياسات أتاحت للمرشحين الآخرين بالتنديد به، مصورينه على أنه سياسي متقلب ومزيف، علماً أن رومني نفسه يقرّ أنه بدّل موقفه بشأن الإجهاض، متخلياً عن رأيه السابق الذي اعتبر فيه الإجهاض مسألة تعود إلى ضمير كل فرد. لكن التناقض يبدو صارخاً بين مواقفه السابقة وكثير من آرائه الحالية (بما فيها معارضته لخطط الحد الأقصى والاتجار المتعلقة بغازات الدفيئة، لإرغام كل الأفراد على شراء تأمين صحي، ولأي زيادات في عائدات الحكومة).
لكن هذا التقلب لا يبدو دوماً بالغرابة التي نظن. فقد أعرب رومني، تماشياً مع العقيدة المورمونية، عن معارضة شخصية للإجهاض. أما رأيه الذي يقول إن من الأفضل اختبار إصلاحات قانون الرعاية الصحية على مستوى الولايات لا المستوى الفدرالي فيُعتبر منطقياً ودستورياً في آن. كذلك، يقول إن مخاوفه بشأن برنامج الحد الأقصى والاتجار ترتبط بالكفلة لا المفهوم بحد ذاته. ولا شك في أنه مصيب في اعتباره أن المشكلة الكبرى التي ستواجهها الموازنة الفدرالية، على الأقل على الأمد الطويل، هي زيادة الإنفاق لا تقلّص العائدات.
على رغم ذلك، يُعتبر رومني مذنباً بمحاولته إرضاء مجموعات مختلفة من الناس بتقديمه سياساته بصور متناقضة. فخلال ترشحه (لم يفز بهذا المنصب) لمجلس الشيوخ عام 1994 عن ولاية ماساتشوستس اليسارية الميول، أنكر إعجابه برونالد ريغان. أما اليوم، فلا يكفّ عن التعبير عن تقديره له. على نحو مماثل، خلال حملته لمنصب الحاكم، لم يظهر بمظهر السياسي المحافظ اجتماعياً، في حين أنه يصر اليوم على أنه أحد كبار المحافظين.
اعتاد الناخبون في ماساتشوستس الإعراب عن تخوفهم من أن يكون رومني جمهورياً متشدداً يدعي أنه معتدل، لكن المفارقة اليوم أن الناخبين الجمهوريين في الانتخابات الأولية يتحدثون عن مخاوف معاكسة تماماً.
لكن لم يتضح بعد ما سيكون تأثير ذلك كله على حظوظ رومني الانتخابية. خلال استطلاع للرأي أجرته شبكة CNN عند مداخل مراكز الاقتراع في مؤتمرات أيوا، سئل المشاركون عن أبرز صفة يجب أن يتحلى بها المرشح. من بين مَن كانوا يريدون «سياسياً محافظاً حقيقياً»، صوت 1% فقط لرومني. لكن العدد الأكبر من الناخبين كان يبحث عن مرشح يمكنه إلحاق الهزيمة بأوباما. لذلك، دعم نصفهم رومني. كذلك، حصل الأخير على الحصة الكبرى من الناخبين الذين يعتبرون الخبرة أفضل من الصدق في العقيدة، وكان هذا كافياً ليضمن رومني الفوز.
لا داعي للحماسة المفرطة
يبدو أن الجمهوريين في مختلف أنحاء البلد يتبعون المنطق عينه. يعتبر نحو 60% منهم أن رومني مرشح «مقبول»، وفق شركة الاستطلاعات Gallup، وهذه بالتأكيد نسبة أعلى مما يناله خصومه. اللافت أن هذا المرشح يحظى باستحسان الجمهوريين المعتدلين والمحافظين على حد سواء. فقد كشف معظم استطلاعات الرأي أن رومني يستطيع منافسة أوباما أفضل من أي مرشح آخر، واقع لم يتجاهله الناخبون خلال الانتخابات الأولية.
يخاف بعض الخبراء اليمينيين من أن يفشل رومني في تحريك قاعدة الحزب وتحفيزها، ما يؤدي إلى إقبال ضعيف على صناديق الاقتراع يوم الانتخابات. لكن الناخبين المتقلبين هم عادة مَن يقررون نتائج الانتخابات. ولا شك في أن رومني يتمتع بقدرة على استمالتهم تفوق ما يتحلى به أي من خصومه. كذلك، يتمتع بدعم كبير من السياسيين الذين سيترشحون إلى جانبه في حال فاز بترشيح الحزب الجمهوري. فينعم رومني بدعم من أعضاء الكونغرس والحكام الجمهوريين يفوق ما قد يحصل عليه كل المرشحين الآخرين مجتمعين.
في مطلق الأحوال، قد لا يحتاج رومني إلى تحفيز الناخبين للفوز في الانتخابات. فعندما يترشح الرئيس الجديد لولاية ثانية، يذكر المحلل السياسي تشارلي كوك أن الانتخابات تتحول عادة إلى استفتاء بشأن أدائه، ما دام أن خصمه «لا طعم له ولا لون». إن صح ذلك، فقد تكون حملة رومني المنظمة بدقة والتي لا تتبنى جانباً محدداً أهم نقاط قوة هذا المرشح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.