اوضحت الحرب الدائرة بولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق غياب مؤسسات المجتمع المدني بمختلف مكوناتها السياسية والطوعية عن اداء ادوارها الوطنية في نزع فتيل الأزمات والحيلولة دون انحدارها الى درك الحرب السحيق، لتختفي على أثر ذلك مظاهر الضغط التي يمارسها المجتمع المدني على اطراف النزاع لايجاد حلول لمختلف القضايا الوطنية مثلما يحدث في الكثير من الدول. ورغم ان كل المؤشرات بالولايتين كانت تذهب ناحية الحرب جراء تباعد خطوط ومسافات التلاقي بين الشريكين المؤتمر الوطني وقطاع الشمال بالحركة الشعبية عقب انفصال الجنوب ومن ثم انهيار اتفاقية اديس ابابا الإطارية، غير ان مؤسسات المجتمع المدني لم تسع لتحريك جمود المفاوضات بين الشريكين وطرح مبادرات لتقريب وجهات النظر لابعاد شبح الحل العسكري، وظلت كما يشير مراقبون تلعب دور المتفرج الى ان وقعت الحرب وبعدها دفعت باكثر من سبع مبادرات لايقاف الحرب بجنوب كردفان، ويرجع الكاتب والاكاديمي الدكتور صديق تاور ضعف اسهام مؤسسات المجتمع المدني المختلفة الى سبب اساسي من وجهة نظره يتمثل في ان معظم الفرقاء في السودان وخاصة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لا يعيران الوساطة المحلية اهتماما وينصاعان للمجتمع الدولي اكثر من الداخلي، وقال ان مطالبة الحركة الشعبية بان يكون هناك طرف خارجي ثالث لضمان اتفاقه مع الوطني يوضح هذه الحقيقة، واشار الى ان الشريكين يفضلان دوما حل قضاياهما عبر فوهة البندقية، ويقول:»بعد اندلاع الحرب بجنوب كردفان طرحت عدد من مؤسسات المجتمع المدني مبادرات وجلست مع الطرفين اللذين كما العادة يظهران اهتماما بما يطرح عند اللقاءات ولكن سرعان ما يديران ظهرهما لما تطرحه القوى الوطنية المختلفة». وتوجه اصابع الاتهام صوب الاحزاب، ويحملها مراقبون مسؤولية عودة الشريكين الى الحرب مجددا وذلك لغياب دورها في طرح المبادرات الجادة وممارسة ضغط على اطراف النزاع والبحث عن مخرج من نفق الأزمة، وهذا ما نفاه نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبى عبد الله حسن احمد في حديث سابق ل (الصحافة)، وقال ان الاحزاب كثيرا مادعت الشريكين لإتاحة الفرصة للقوى السياسية للمساهمة فى حل الأزمات، مؤكدا ان كل المبادرات التي طرحتها الاحزاب قبل وبعد انفصال الجنوب لم تجد آذانا صاغية من الشريكين اللذين يرفضان تدخل الاحزاب حتى لو كان يصب في المصلحة العامة. ويشير اكاديميون الى ان مؤسسات العمل المدني تلعب في دول العالم كافة، وبخاصة في المجتمعات الديمقراطية، دورا بارزا في بناء أسس الحياة الديمقراطية والتشكيل السياسي في هذه المجتمعات، وتسهم في تعزيز السلوك المدني، وتسهم في حل القضايا القومية ونزع فتيل الازمات العارضة المختلفة، وانها تقوم بدور كبير عند نشوب خلافات في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، ويعرفون المجتمع المدني بانه مجموعة المؤسسات غير الرسمية الطوعية، المكونة من المؤسسات الناشطة في خدمة المجتمع في مجال حقوق الإنسان والبناء الديمقراطي وصون وحدته و تعزيز ونشر مجموعة من القيم والمبادئ التي تهدف إلى تطوير وتنمية المجتمع، وان طبيعة عمل مؤسسات المجتمع المدني تتلخص بأنها الرديف الحقيقي للسلطة في أي دولة والصلة بين المواطنين والجهات الرسمية، ذلك أن احد أهم أعمال هذه المؤسسات هو الرقابة والتقييم، المحاسبة والمساءلة، المتابعة والتطوير، والاهم المساهمة الفاعلة في تطوير وتنمية المجتمع من خلال نشر مفاهيم الحياة المدنية، وتتمثل منظمات المجتمع المدني كما هو متعارف عليه في المنظمات الأهلية غير الحكومية الطوعية منها والخيرية، والاحزاب، النقابات والتنظيمات المهنية، الاتحادات العمالية، النوادي ومراكز الشباب، المجموعات الاجتماعية المؤطرة. الإعلام والصحافة غير الرسمية، وكما هو معروف تستطيع مؤسسات العمل المدني، وفي مختلف المجتمعات، أن تلعب دور الحسم في الكثير من القضايا المحورية والمفصلية في المجتمع الذي تعيش فيه، وهي بذلك إما أن تكون أداة تدعم وتعزز دور السلطة في تلك الدولة من اجل تعزيز مفاهيم الديمقراطية، والحقوق المدنية، والحكم الراشد، أو أن تلعب الدور العكسي، ذلك أن هذه المؤسسات يمكن أن تدعم السلطة في تعزيز الحكم الراشد من خلال الكثير من الأطر كتنفيذ حملات توعية مستمرة لتعزيز اطر التعاون والتفاعل ما بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع وأفراده، وذلك من خلال توفير المعلومات بالاتجاهين ومع ذوي العلاقة، وخاصة في القضايا المحورية والحاسمة وذات المساس المباشر بحقوق الإنسان وحرياته، والمشاركة مع السلطات التنفيذية والتشريعية في مناقشة والتداول في القضايا الهامة، وخاصة في صياغة القوانين وتعديلها، وكذلك في اتخاذ القرارات الإستراتيجية والمساهمة الفاعلة مع السلطات ومؤسسات العمل المدني المختلفة والخاصة، من اجل تعزيز سيادة القانون وممارسته بحرية وشفافية وخضوع القائمين علية للمساءلة، عطفا على المساهمة مع السلطات في حل المشاكل والصعوبات الداخلية بهدف تحقيق الاستقرار وتوفير الأمن، وذلك من خلال حملات توعية مستمرة. وتشير الباحثه د . هاجر ابوالقاسم محمد الهادي الى ان نجاح مؤسسات المجتمع المدني يتوقف على مدى بعدها من الحكومات والمعارضة لضمان استقلاليتها رغم التشجيع على المشاركة والتنسيق مع دولتها ولنجاح المبادرات السلمية والتضامنية داخل وخارج القطر، وطبيعيا لابد من قبول استقلالية هذه المنظمات حتى يمكن قبولها للتوسط في التوحد القومي وفض النزاع، وتقول»ظل دور منظمات المجتمع المدني في السودان يشوبه الكثير من الهواجس للكثيرين خاصة لدى السياسيين وذلك لغموض دورها في بعض الأحيان ولأهميته الاجتماعية « ويرجع مدير منظمة مبادرون بجنوب كردفان عمر حامد ضعف ادوار مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني خاصة الطوعية الى عدم دعمها من الدولة اسوة بما يحدث في العديد من الدول مثل النرويج وماليزيا، ويعترف بان دور المنظمات والمؤسسات في السودان ينحصر في تلافي آثار الكوارث كالحروب بعد وقوعها وانها لا تقوم باعمال استباقية تهدف لتوطين مفردات كالتعايش السلمي وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء واشاعة ثقافة السلام للحيلولة دون وقوع الحروب والكوارث الانسانية. ويعود الدكتور صديق تاور ويشير الى ان معظم مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني خضعت للتسيس من جانب الحزب الحاكم وقال ان هذا الامر افرغها من مضامينها الاساسية، واشار الى ان المنظمات التي كان من المفترض ان تلعب دور الضغط على الشريكين وهي المستقلة ظلت تتعرض لحرب من الحزب الحاكم ، ويقول الناشط المجتمعي نصرالدين شلقامي ان هناك اكثر من الف منظمة مسجلة لدى السلطات متخصصة في المجالات الانسانية المختلفة وهي المناط بها ممارسة ادوار طرح المبادرات وممارسة الضغوط على مختلف الجهات المتصارعة غير انها لا تفعل وذلك لان معظمها حاد عن بنوده الاساسية ولا تقوم بادوارها المناط بها لعبها، ويرى المحلل السياسي الدكتور محمد المعتصم احمد موسى ان غياب دور مؤسسات المجتمع المدني عن القضايا الوطنية يعود الى ان ما اصاب المجتمع ضربها في مقتل واضعف دورها، وحذر من خطورة غياب مؤسسات مجتمع قوية تفرض كلمتها على السلطات الرسمية والجهات المختلفة ووصف الامر باخطر ازمات السودان، وطالب الاحزاب السياسية والمؤسسات والمنظمات المجتمعية المختلفة بممارسة ضغوط مكثفة على الجهات الحكومية في القضايا الكبيرة، وقال: ان صوت المجتمع يجب ان يكون قويا ومسموعا من جانب الدولة وذلك لانها جزء اصيل من مكونات الوطن ويهمها استقراره وامنه، وقال ان الحكومة مطالبة بان تشرك الآخرين معها في حل القضايا التي تهم كل السودان والابتعاد عن السياسة الاحادية.