لم يكن يتوقع أمين يوما أن ولعه بالحاسوب وعالم التقنية سيلقي على عاتقه تبعات جمة صعب عليه كثير إيجاد مخرج منها جراء إدمان فلذة كبده لعالم الحاسوب واستلابه بدرجة كبيرة وجعله يعيش في عالم افتراضي لا يجد له مثيلا على أرض الواقع الأمر الذي انسحب على تركيز ابنه فلم يعد له شاغل سوى الولع بالقبوع خلف شاشة الحاسوب وبالعدم التكوم أمام الشاشة البلورية فحار والداه وقالا إنهما لا يملكان في أيديهما حلا سوى إغلاق الجهازين والعمل على إحساس ابنهما أن في البيت والشارع العام والمجتمع حياة غير التي يدور في فلكها . وما وصل إليه صغير أمين يلفت الأنظار والانتباه للاستلاب الثقافي لأجيال السودان القادمة في ظل غياب المكتبة المدرسية وصحافة الطفل التي غدت بعدا إثر عين ويقول شرحبيل أحمد أحد رواد صحافة الطفل بالبلاد وصاحب اللمسات التي لا تخطئها عين في هذا المضمار إن لغياب واهمال صحافة الطفل تبعات جمة يكتوي بنيرانها المجتمع حاليا جراء فتح المنافذ لكل وافد ثقافي دون تنقيح في ظل الفضاء المفتوح الذي لا ينتظر الاستئذان ولا يلجأ لطرق الأبواب ليسمح للدخول بما يحمله من ثقافات وما يمور به من قيم لا تتماشى بل تتنافى مع ما نملك من موروثات وتقاليد ذات باع طويل في تشكيل الهوية وبناء الشخصية السودانية ولفت شرحبيل لعدم قدرة أجهزتنا الإعلامية على مجاراة ما هو وافد تقنيا فلا تقوى على منافسته ما ساعد على الارتماء في أحضان كل ما هو وافد بين ثنايا الوسائط الحديثة المتعددة من playstation وdvd وغيرها من أنماط الحاسوب المختلفة. وأضاف شرحبيل أن غياب المكتبة المدرسية واختفاء الجمعيات الأدبية وتلاشي الصحف الحائطية وفقدان الجمعيات المتخصصة في الموسيقا والتشكيل والتمثيل وغيرها من الضروب، لأجل هذا يقول شرحبيل: يجد الطفل السوداني نفسه محاصرا بقيم وثقافات وافدة كثيرة فلا يستطيع التمييز بينها فيصحب كحاطب الليل فيأخذ في معيته ما يجلب له الويل دون وعي منه فيكون عرضة للانفصام النفسي والعزلة الاجتماعية جراء ارتهانه للعالم الافتراضي الذي يعيش فيبعد عن الولاء للوطن دون أن تنمى في ذاته ملامح الشخصية القومية بجهة أن ما يحاصره من برامج مصمم لآخرين وأن الحل والخروج من مأزق الأطفال الحاليين لا يكون إلا بالرجوع للنظام السابق من التربية والتنشئة. وغير بعيد إفادات شرحبيل يقول الباحث الاجتماعي فيصل محمد شطة إن الكتابة للأطفال مشبعة بالقيم والتعاليم والأخلاق السودانية التي تهيئ الطفل وتساعده على الاندماج في أتون المجتمع وتأخذ بيده لمواكبة البيئة الاجتماعية المحلية التي يعيش في كنفها فكلما كانت تنشئة الطفل متوازنة ومتوافقة مع قيم مجتمعة شكلت لبنة قوية في دواخله لتحمل صدمات الثقافات الوافدة فيما بعد التي لا تجد صعوبة في الوصول إليه عبر وسائل الاتصال الحديثة في عصر الفضاء المفتوح ويرى شطة أنه بدون صحافة الطفل وتوسيع مداركه بالكتابة المحلية فإنه سيكون عرضة للاجتياح الثقافي الخارجي لجهة عدم امتلاكه لمصدات تقيه شروره وافتقاره لغرابيل تعمل على تنقيته وأعرب عن أسفه لتعرض الأطفال لقيم وتقاليد منافسة لقيمنا السمحة دون تهيئة الجو لهم عبر المكتبة المدرسية وإفراد الكتابة عن قضاياهم إشباعا لرغباتهم بما يتوافق والموروث المحلي التي ساهمت الضغوط الاقتصادية في النأي عنهم وتركهم عرضة لويلات الاستلاب الثقافي .