أن يسعد صحافي بإغلاق صحيفة يبدو الأمر مربكا ومحيراً، حيث جرت العادة أن يدافع أهل الصحافة عن صحافتهم واستمرارها، ولكن بدا الأمر مختلفاً في حالة إيقاف ست صحف رياضية أو قل تعليق صدورها لحين توفيق أوضاعها الإدارية والمهنية بحسب قرار المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، وإن هي أفلحت في توفيق أوضاعها الإدارية، ستعجز حتماً عن توفيق أوضاعها المهنية، فالحالة التي تلبست كثير من الصحافيين الرياضيين لن تفارقهم أبداً، وبدونها لا يملكون أدوات الاستمرار في المهنة. وحقيقة أن كثيراً جداً من الصحف الرياضية التي لا يتوافق عددها مع انجازاتنا في المجالات الرياضية، جنحت لأسلوب لا يمكن ان يتقبله إنسان سوي، فقد تمكنت هذه الصحف من زرع التعصب الأعمى للفرق الرياضية والأشخاص الذين يقومون عليها، وبلغ التعصب مرحلة أن يتمنى مشجع هلالي أن يهزم المريخ في استحقاق دولي، وعلى ذات القياس يسعد مشجع مريخي بهزيمة الهلال من منافس قادم من خارج الديار، وهم بذلك نسيوا أو تناسوا «السودان» الوطن الذي يجمعنا ومن أجله نشقى حتى يكون اسمه عالياً في كل محفل. خلال إحدى الإجازات السنوية التي نسعد فيها بمعانقة تراب الوطن، شهدت العجب العجاب، عندما سارع أحد المشجعين إلى ذبح خروف نكاية في مشجعي الفريق الآخر عندما خسر مباراة دولية خارج السودان، وهم أيضاً يكيلون له بذات المكيال، وعندما عبرت عن امتعاضي من ذلك رد عليَّ بعضهم ضاحكاً «يا حبيب بس لأنك عايش خارج السودان»!!.. الحقيقة أن السبب ليس كوني وآخرين خارج السودان، بل هو أننا لم نقع تحت تأثير هذه الصحف الرياضية، وهو حال قطاع عريض من المغتربين الذين يسعدون بكل ما يدخل الفرح في قلوب السودانيين، بغض النظر عن كونه أتى بأقدام مريخية أو هلالية أو موردابية.. الخ. كما أن كثيراً من هذه الصحف الرياضية تحركها مصالح شخصية ضيقة، وإن قدر لها الاستمرار فإنها ستؤجج نيران الفتنة لدرجة يصعب تلافيها. ومن خلال هذه القرارات نحيي المجلس القومي للصحافة والمطبوعات على هذه الخطوة الجريئة، وإن جاءت متأخرة أفضل من ألا تأتي مطلقاً.. ونتمنى من مجلس الصحافة والمطبوعات الذي يقوم عليه أساتذة أفاضل وقامات إعلامية مقدرة، ألا يتساهل في أمر فك حظر هذه الصحف ما لم يكن هناك ميثاق يتفق عليه الجميع، على أن يمضوا في طريق يعزز الوحدة، وينبذ الفرقة والتعصب، حمايةً للمجتمع من تأثيراتها السالبة. وأن تكون الرقابة مستمرة على الصحف الرياضية التي تصدر حالياً، حتى لا تجنح إلى ذلك الطريق الذي أودى برصيفاتها إلى تعليق الصدور، كما يتوجب التدقيق ووضع الاشتراطات على من يستوفي شروط ممارسة المهنة، حتى لا تكون الصحف الرياضية باباً مشرعاً لزرع التعصب وتصفية الحسابات الشخصية. مع وافر احترامنا وتقديرنا لعدد من الصحافيين الرياضيين المهنيين الذين يقدمون مصلحة الوطن على أية مصلحة أخرى، وهم يملكون أقلاماً ذات مهنية عالية.