محمد لطيف واحد من ملايين السودانيين الذين حملتهم الظروف على مغادرة الوطن، وغادر وطنه الصغير في إحدى جزر النيل الخالد، في منطقة دنقلا ليستقر في الخرطوم، مثله مثل الآلاف من أبناء الشمالية الذين كان مشوارهم في المغتربات والمهاجر والمنافي، قدراً مكتوباً عليهم منذ عشرات السنين، بحكم الطبيعة القاسية والطاردة للمنطقة، والتي جعلتهم رواداً في الأسفار والتنقل والارتحال في بلاد الله الواسعة طلباً للرزق أو العلم، أو مفارقة الركود والبقاء في منطقة واحدة. وقد أفادتهم تلك الغربة، فخالطوا أقواماً واكتسبوا تجارب وعاشوا تجارب تستحق الذكر. ومن الخرطوم كانت الهجرة إلى الرياض، وهنا عمل محمد لطيف في الحرس الوطني، سائقاً، لكنه كان سائقاً محظوظاً، إذ جمعه عمله هذا بنجوم الفكر والفن والأدب والثقافة العربية من المشاهير الذين كان الحرس الوطني يدعوهم لمهرجان الجنادرية الثقافي السنوي الذي يشكل تظاهرة أدبية وفنية، نجح الحرس الوطني السعودي في جعلها موسماً أو سوق عكاظ أو مربداً عصرياً متجدداً كل سنة. وحصيلة محمد لطيف كانت لقاءات جمعته مع الطيب صالح ود. نجم عبد الكريم وأنيس منصور ود. عبد الله الطيب، حيث كان السائق المكلف بنقلهم من والى الفندق والمطار ومسارح النشاط الثقافي الجنادرية، وهو لا يحب أن يحكي الكثير، غير أنني طلبت منه الحديث عن بعض ذكرياته مع هؤلاء النجوم الزواهر، فأثنى كثيراً على تواضع د. عبد الله الطيب والطيب صالح، وقال: إنهما غاية في المثالية والأدب والتواضع واحترام الآخرين، وروى كيف أن دكتور عبد الله الطيب رحمه الله، جلس على الأرض خارج قاعة كبار الزوار في مطار الملك خالد بالرياض، يحاور إحدى قريباته، وقال للضابط الذي طلب منه أن يدخل هو وضيوفه إلى داخل القاعة الفخمة: «إن جلستي هذه أكثر راحة لي من القاعة». أما الطيب صالح فقد تأثر من رد محمد لطيف، على أحد الزوار الكبار الذي طلب من محمد أن يكتب «معروضاًً» ليسلمه الضيف إلى أحد كبار المسؤولين السعوديين للمساعدة المالية، فأجابه محمد لطيف: «نحن السودانيين ما بنكتب معاريض». وكان الطيب صالح رحمه الله صامتاً.. وفي اليوم التالي، وعندما حضر لطيف للفندق لأخذ الأستاذ الطيب لأحد مشاويره بالرياض، فاجأ أديبنا الكبير محمد لطيف، بإعطائه ظرفاً به مبلغ كبير من المال، وقال له: «لقد سرني ما قلته بالأمس لذلك الرجل»، «نحن السودانيين ما بنكتب معاريض»