اخيراً وليس اخر عاد تيار التقارب من جديد بين حكومة الخرطوموجوبا فى ملف البترول، وربما يطل شبح التباعد برأسه مرة ً اخرى فى علاقة قوامها التشاكس فدوام الحال من المحال هكذا انطبق المثل على الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى، تصريحات جارحة واخرى مضادة واتهامات متبادلة ومن ثم لقاءات تدعو الى ضرورة التعاون بين الجانبين وحل الملفات المعلقة فى جدار التفاوض، حيث حملت الأخبار ومانشتات الصحف مبادرة دفعت بها الحكومة السودانية للتعاون في مجال البترول بحيث تمد جوباالخرطوم بالخام لتقوم الأخيرة باعادته مكرراً، وفتحت الخطوة الباب امام قضايا اخرى مثل تجارة الحدود وملف تداخل الرعاة. وبعد ان كان ملف البترول فى الفترة الأخيرة حالة من الشد والجذب بين الجانبين ووصلت التصريحات والاتهامات ذروتها خاصة بعد ان حددت الخرطوم مبلغ «32» دولاراً للبرميل الواحد مقابل نقله عبر انابيب الشمال، وهو ماقابلته حكومة الجنوب بالاستهجان، فى ردود افعالها مادعاها للبحث عن اتجاهات بديلة وعروض لسويق نفطها خاما من مناطق الانتاج، على أن تتولى الجهة المشترية تكاليف عمليات التكرير والترحيل وبالفعل بدأت حكومة الجنوب مباحثات مع أطراف دولية بغرض تسويق النفط الجنوبي دون أن تدخل في مفاوضات مع الخرطوم حول عائدات النفط، واتت خطوة الجنوب احتجاجاً على ما وصفته بالمبالغة في سعر الرسوم الذى فرضته حكومة السودان، بل وصل الأمر ان وصف وزير السلام بحكومة الجنوب باقان اموم موقف شريكهم السابق «المؤتمر الوطنى» فى تحديده لرسوم البترول ب «السرقة» فى وضح النهار، ووصل الأمر الى حد التهديد بأن حكومة الجنوب قد تلجأ الى اغلاق آبارها في حال اوقف الشمال عملية تصدير بترولهم عبره وسمح لشركات البترول بتصدير نصيبها، ووضعت حكومة الجنوب تحوطات حال ساء التعاون فى المستقبل بين الشمال والجنوب في قضية تصدير البترول، وابلغت الشركات انهم في ذلك الوضع سيلجأون لبيع النفط داخل الآبار. الا انه ورغم الخلافات المتكررة يبدو ان حالة الصفاء بين الجانبين في طريقها للعودة من جديد حيث كشفت حكومة دولة جنوب السودان عن مبادرة دفعت بها الحكومة السودانية حول التعاون في مجال البترول بحيث تمد جوباالخرطوم بالخام مقابل اعادته مكرراً ، وفتحت الخطوة الباب امام التقارب فى ملفات اخرى وطالبت جوبا في الوقت ذاته بحل قضية اغلاق الحدود امام البضائع قبل رحلة الرعاة الشماليين للجنوب والمحددة بشهر ديسمبر المقبل، والتى تضررت منها الأخيرة طوال فترة القطيعة وتكدس البضائع فى ميناء كوستى عدا حالات التهريب التى تسللت رغم عين الرقيب، واستخدمت حكومة الجنوب كرت ضغط ايضاً ولوحت بالمعاملة بالمثل ومنع مايقارب الستة ملايين رأٍس من المواشى من الدخول للجنوب. وفى تصريح ل «الصحافة» قال وزير التجارة والاستثمار بدولة الجنوب قرنق دينق ان عملية التبادل التجاري بين الشمال والجنوب معدومة تماما، ولاتوجد أى مبادرات من الجهتين فى هذا الشأن باستثناء مبادرة خاصة بالتعاون في مجال البترول، وذكر ان وفداً من وزارة الطاقة والتعدين بحكومة السودان زار جوبا الاسبوع الماضى وبحث التعاون المشترك بين وزارتي الطاقة بالبلدين، وطرح امكانية التعاون في مجال البترول بحيث يمد الجنوب، السودان بالخام بهدف استخدامه في مصفى الشمال مقابل ان يمد الجنوب بالمواد البترولية المكررة، واكد ان الطرفين اتفقا على دراسة المبادرة بصورة جادة، وقال انها ستكون في مصلحة الطرفين، خاصة وانها ستضمن للسودان استمرار عمل المصافي . وفى حديثه ل «الصحافة» قال المحلل السياسى صديق تاور ان المصالح كثيراً ماتهزم السياسية، خاصة وان الحكومتين مجبرتان على هذه الخطوة لأن المصالح الحيوية تضررت بشكل مباشر للحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى خاصة وان البترول ظل المصدر الرئيس والمورد الوحيد للخزانة العامة للطرفين على حساب الموارد الأخرى باعتباره عائدا تجاريا سريع العائد فى وقت يفتقد فيه الطرفان للتخطيط التنموى الممنهج وغياب العقلية الاستراتيجية، وعزا تاور تقارب الحكومتين الى تأزم اوضاعهما الاقتصادية وليس من باب العقلانية ومراعاة التعايش، خاصة وان الحركة الشعبية بعد نشوة الانتصار اصطدمت بواقع مرير فى توفير متطلبات الدولة وبنائها، والمؤتمر الوطنى ايضاً يعانى من أزمة وعدم استقرار وتفتق جبهات الحروب التى استنزفت الخزينة، واضاف تاور ان الاثنين مضطران الى التعامل، وهذا يؤكد حقيقة أساسية ان لاخيار سوى التعاون بين الشمال والجنوب فى جميع المجالات، وعلى حكومة السودان ان تعى أن الجنوب اهم سوق للشمال فى المجالين العام والخاص، ولكن المشكلة ان الطرفين تتملكهما حالة العناد، وعليهما ان يعيا ان مستقبل الشمال والجنوب لا يقوم الا بالاعتماد على المشتركات والتعاون. وفى حديثه ل «الصحافة» قال المحلل السياسى الحاج حمد ان الحكومتين تتشاركان الاثم وارجع الاشكالية الأساسية الى اعتمادهما على مبادرات «السماسرة» والوسطاء من الاتحاد الأفريقى والمبعوثين الدوليين، خاصة ً وان هؤلاء يقعون تحت تأثير المخدر الأمريكى الذى ينتهج حالة «اللا سلم واللاحرب»فى السودان ومزيد من العرقلة، وقال الحاج حمد ان المسألة فى غاية البساطة، اذا جلس الطرفان مع بعضهما بارادة حقيقية، ولكن عليهما ان يزيحا عقلية التعامل بأنهما مازالا شريكين، وان يرتقيا الى عقلية التعاون بين الدولتين، وان يجلسا دون وسيط، لانهما يواجهان مشاكل اقتصادية معاً، خاصة الجنوب الذى يعانى من اشكالية توفر الوقود، مع الأخذ فى الاعتبار ان هذا الوضع يرفع من تكاليف الانتاج ويعطل التجارة الحدودية ويؤثر على الحالة الأمنية ويلقى بتبعات جسيمة على الدولة الوليدة، لافتاً الى ان الجنوب يستخدم ورقة ضغط بحرمان الرعاة السودانيين من الدخول الى اراضيه فى وقت تتمدد فيه قبائل الزاندى الى يوغندا وجماعة الموندارى الى الكنغو، وقبائله الى دول الجوار، لافتاً الى ان اوضاع الرعاة تسندها اتفاقيات دولية تمنحهم حق التنقل عبر الحدود. واضح الحاج حمد ان البترول لايمكن ان يناقش بمعزل عن القضايا الأخرى، مثل الحدود فى وجود خمس ولايات تماس بين البلدين بينهما تداخل ومصالح مشتركة مرتبطة بالتجارة الحدودية، فالعقل والكياسة الوطنية تستدعى التعاون خاصة وان الدولتين تحملان اسم السودان ويجب ان يراعيا مصالح الشعب الذى كان واحداً. اذن ربما يكون الامر في مجمله قريبا من ذلكم التعليق الساخر الذي قال به احد المواطنين فى المواصلات وهو يتصفح «الصحافة» حين شبه حال الحكومتين بالضرات فى حالة عراك دائم رغم قناعتهن بأنه لامجال ان تعيش كل واحدة فى بيت منفصل بمعزل عن الأخرى فالضرورة تحتم عليهن التعايش.