يقال أن ميرابو خطيب الثورة الفرنسية وأحد أشهر الخطباء على مرّ التاريخ لدوره الكبير والمؤثر في إلهاب الجماهير الفرنسية وإشعال أحاسيسها بخطبه البليغة الصاعقة، لم يكن يحسن الخطابة عند البدايات الأولى للثورة، فقد كان صوته رتيباً ومخارج حروفه غير سليمة وكان يضطرب ويتلعثم عند مواجهة الجماهير، ولكنه بدأب وإصرار ومثابرة ومصابرة على برنامج قاس استطاع التخلص من هذه العيوب حيث كان يذهب كل ليلة إلى الشاطئ ويبدأ في القاء خطب مفترضة حتى يدركه الصباح، ومثله كان ديموستين خطيب أثينا المفوه الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بخطبه النارية المفحمة، وكذلك كان تشرشل الذي كان يعاني من التأتأة، وغير هؤلاء آخرون استطاعوا بما امتلكوا من إرادة وعزيمة ونفوس كبار، ليس فقط أن يتجاوزوا تلك العيوب بل إنطلقوا كما الريح وخلّدوا اسماءهم في سجلات التاريخ... ومبدعنا الراحل زيدان ابراهيم كان من طينة هؤلاء الكبار، فقد سمعته مرة يقول أنه كان مصاباً ب «التمتمة» في صباه الباكر وقبل أن يحترف الغناء، وكان يلازمه هذا العيب في محاولاته الاولى وهو طالب عندما يدندن ببعض الاغنيات، وقد كان ذلك كفيلاً بأن يبعده عن مجال الغناء ويزهده فيه لولا أن بذرة الفن والابداع متجذرة داخله، يقول زيدان رحمه الله انه أخذ نفسه بشدة على برنامج قاس عملاً بنصيحة أسداها له أحد أساتذته للتخلص من «التمتمة» وهي أن يغلق نفسه داخل غرفة ثم يبدأ الغناء بصوت عالٍ لأطول مدة ممكنة، وقد دوام على هذا البرنامج إلى أن تخلص نهائياً من «التمتمة» وانطلق لسانه بأعذب الالحان وأشجى الغناء وصار رقماً له لونيته وخصوصيته المتفردة التي يصعب جداً تقليدها، وأرسى تجربة لا يمكن تكرارها.. لا أدعي معرفة خاصة بمبدعنا الراحل ولست من أهل التخصص حتى أوفي الراحل حقه، فذلك ما أفاض ويفيض فيه آخرون، ولكنني هنا فقط كواحد من مئات الآلاف بل قل الملايين الذين شنّف الراحل آذانهم وأطرب وجدناهم وكثيراً ما أذهب عنهم التعب والرهق والغضب وانتشلهم من كدر العيش وضغوط الحياة إلى براحات الجمال والنغم فارتاحوا من الهم والغم على صوته الباذخ وادائه الأخاذ، أنا هنا اليوم فقط لأقول كلمة وداع وعزاء مستحقة في حق هذا المبدع الفنان الذي رحل عنا بسرعة هي يا سبحان الله ذات السرعة التي انطلق بها وحلّق عالياً في فضاءات الغناء والنغم، فقد رحل مبدعنا سريعاً بطريقة تركت في الحلق غصة وفي النفس شيء من حتى، صحيح أن الموت حق وهو سبيل الأولين والآخرين وهو قضاء لا يستطيع أحد أن يرده عن حبيب أو قريب، ولكن ما علمناه عن القصور الذي لازم عملية علاجه بسبب شح الموسرين من رجال المال والأعمال وتقتير الدولة وبخلها يثير أكثر من علامة تعجب وألف سؤال وسؤال، ولا بد هنا من الاشارة للموقف النبيل الذي وقفه زميلنا الهندي عز الدين الذي لم يكتف بالمتابعة وما قدمت يداه بما تيسر، بل ظل يصرخ أن أغيثوا هذا المبدع ولكن للاسف لا حياة لمن تنادي، وهذا أمر يستحق وقفات ووقفات واللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله...