1/ انتشرت في هذه الأيام ظاهرة كتابة القصة القصيرة جدا وسط الشباب بشكل ملفت خاصة في المواقع الالكترونية، وهي فن قديم ينام في أوقات طويلة ويظهر لأوقات طويلة أيضا، فما الداعِي والضرورة، ولماذا هذا النوع من الكتابة وفي هذا التوقيت بالذات؟،ومن أي مصدر يستمد هذا الفن مشروعيته؟. 2/ البعض استسهل هذا النوع من الكتابة، كما استسهل من قبل قصيدة النثر الناتجة عن سهولة السرد نفسه واسترساله، أو لأنها جاءت نتاج محاكاة للترجمات العربية للقصائد الأوربية، أو لأن لا نظم ومعايير صارمة تحكمها، وهذا سبب ضعفها وقوتها في آنٍ واحد. 3/ يكتب البعض أقوالا تشبه الأقوال المأثورة، أو حِكما وأمثالا ومفارقات مسطحة ويظن كاتبها بأنها ق ق ج، فهي قطعا ليست كذلك، فهي فن مراوغ لا يجيده إلا متمكن من أدواته وعارف بقوانينه الداخلية المتحركة. 4/ إلتفات الشباب الكثيف لإحياء كتابة ق ق ج، يستمد مشروعيته من صلب هذا المناخ الضبابي، ويفتش عبرها عن متنفس يخفف من حدة الغبن المتراكم، وفي ذات الوقت البحث عن حرية داخلية تعادل أو تقاسم واقعا غير حر وكفيف ومنكسر حدالانكسار. 5/ ق ق ج عمل انحرافي متمرد لا يعترف بسلطة النموذج، وحاجة ماسة للتجاور..مجاورة الإيقاع السريع لقرص الحياة في دورانه، وارضاء لواقع متفتت، وتجريب قصصي متطور يتعدى ماهو نمطي وسائد دون أن تلغي أحدا..إنها فعلا اضافة وتنضيد، ودعوة جادة لطقطقة عصب المخيلة. 6/ تستدعي ق ق ج مشروعيتها من تشظي الحاضر هامشا ومركزا، ففي خضم هذا التشظي النفسي السائد يتفتت النص نص اللحظة الراهنة، وتتصدع بنية الكلام، وتتخصب احتمالات الكتابة وإحالاتها المتزايدة إرضاء لقارئ مرتبك وملتبس في حتى سلوكه اليومي. 7/ فرفوف الحراك اليومي لدينا خالية بطريقة أو أخرى من معلبات التيقن، فكثيرا ما نسمع (مثلا) حوارا بين شخصين كلاهما لا يعي ولا يعني ما يقوله..(أكيد ح أحضر، ولا، لا من الناحية دي أطمئن وأنت ما بتعرفني، أنا إنسان دغري وواضح، وهكذا). 8/ من هنا نمارس الانشراخ والتشكك والتضخيم..التضخيم لأنا متورمة ومتقرحة أصلا في أفعالها نتيجة لواقع متقزم. ادخال مثل هذه الجزئيات بتوصيفاتها في شكل أدبي تقليدي لا يسعها بالضرورة، لأن الخوض في تفاصيلها هو الخوض في تفاصيل الحياة نفسها. 9/ إذن تأتي القصة القصيرة جدا في واقع مترهل شديد التعقيد ومتحول ومتحرك إلى أسفل، لذا لا مفر سوى أن تأتي بتكثيف شديد التركيز لا فائض فيه لحرف منفلت، فأيّ كلمة في النص تنوء بما يفجر طاقتها وتحمل من الدلالات بعدد القراءة لها ووفق الحالة النفسية الراهنة للقارئ.