حالة من الشد والجذب نعيشها اليوم في وطن لم يشفع له قدمه وحجمه في ان يجد طريقا آمنا ينتهي به الى مكان يليق به بين الورى. فهناك اربع حقب رئيسة شكلت اهم معالم تاريخ السودان هي: (1) حقبة الممالك والسلطنات القديمة، (2) حقبة الاستعمار الاول، (3) حقبة الدولة المهدية، (4) حقبة الاستعمار الثاني، (5) حقبة الاستقلال والدولة الموحدة، (6) حقبة الانفصال والجمهورية الثانية. كل واحدة من هذه الحقب لها اثر مباشر او غير مباشر، سالبا اوموجبا في تكوين السودان بشكله الراهن من النواحي الجغرافية، السياسية، الثقافية، الاقتصادية وغ?رها. نامل ان يجود علينا المؤرخون والكتاب باهم ملامح هذه الحقب وعلاقة كل منها بواقع السودان اليوم. اما في هذه النافذة، فساتطرق الى ما احسب انه يشكل مبادىء عامة مهمة لقيام دولة الجمهورية الثانية المنشودة وهو فقط تعبير عن وجة نظري الشخصية: 1- الايمان بالله والتوكل عليه: من فضل الله علينا ان غالبية سكان السودان مسلمون وهذا يقلل من معاناتنا ويزيد من فرصنا في خلق مجتمع متوائم، متعاضد، متكامل ورسالي، وليكن هدفنا الدين لحماية الدولة وليس العكس. والدين يجب ان يكون منهجاً متكاملاً في كل مناحي الحياة العامة لا ان يكون مادة منفصلة. في التعليم مثلا لا ينبغي ان تكون هناك مادة بعينها تسمى تربية اسلامية او دراسات اسلامية، فاحكام الاسلام وتعاليمه وقيمه وعلومه يجب ان تكون ضمن كل المواد التي تدرس، علمية كانت او ادبية في كل المراحل. وعندما يكون هادينا هو الايمان التام بالله والتوكل عليه و?لاستعصام به لا تستطيع اي قوة في الارض ان تفعل بنا شرا الا ان يكتبه الله علينا ولا خيرا الا ان يكتبه الله لنا. يعني ايمانا بالله خالصا صادقا غير مشوب بأية شوائب. 2- العمل وفق اطار استراتيجي للدولة يستوعب ماضي وحاضر السودان، يستفيد من التجارب الانسانية ويستشرف آفاق المستقبل: الاطار الاستراتيجي المطلوب يجب ان يحدد بوضوح التوجهات الكلية للدولة في الاجتماع، السياسة ونظام الحكم، الاقتصاد، التعليم والتربية، الدفاع والامن، العلاقات الخارجية وغيرها وتكون هذه التوجهات مستمدة من الموروث الثقافي للمجتمع، دينا وعرفا وتقليدا ومستوعبة للبيئة الاقليمية والدولية من حولنا. وان يتم ذلك بمشاركة واسعة من كل فئات المجتمع وكياناته المتنوعة. 3- ان تكون الدولة هي الملاذ الآمن للجميع: ان يجد كل مواطن في اطار كيان ومؤسسات الدولة ما يحتاجه من امن وغذاء وسكن وتعليم وصحة وسلام اجتماعي وحماية وغيرها من الاحتياجات الدنيا والعليا للانسان. وان يتم ذلك على اسس عادلة شاملة ومتكاملة. لان غياب هذا المبدأ يضطر المواطن للجوء الى كيانات اخرى جهوية او قبلية او سياسية اواثنية اواجتماعية او مهنية او غيرها للبحث عن ما لا يجده في اطار الدولة ومؤسساتها واجهزتها. وبتحقيق هذا المبدأ تعظم الدولة وتصبح هماً مشتركاً للجميع ويشعر كل افرادها بالامان في حاضرهم وعلى مستقبلهم ويصبح الجميع حراساً للدولة لان كل انسان ي?د فيها ضالته وبالمقابل تتضاءل الكيانات الضيقة وتتلاشى ويكون الإنتماء الاقوى للدولة والامة. 4- الكل أمام القانون سواء: القانون بإختصار شديد هو تنظيم للمعاملات وضبط للسلوك وحتى يكون للدولة قانون فاعل يجب اولا ان يكون لكل مواطن معني به دور واضح وملكية في وضعه وان يكون كل مواطن واعي بمواده بالقدر الذي يحتاجه لسلوك طريق صحيح وآمن، كل فيما يعنيه في تخصصه ومجال عمله. لابد ان يتم وضع القانون بحيث يحمي مصالح كل فئات المجتمع من غير تمييز. كذلك لابد من وجود آليات عادلة، مستقلة ومستدامة لتطبيق القانون يتساوى فيها كل المواطنين ويتأكد من خلالها احترام الجميع للقانون. 5- الإستقلال التام للمؤسسات العدلية والعسكرية: يجب ان تكون هذه المؤسسات وطنية خالصة تعمل بمنأى عن اي مؤثرات ذات اغراض خاصة. دورها الاساسي هو حماية الدولة والمواطن بتجرد ومهنية. هذا يتطلب اعادة صياغة لاسس ومعايير بناء وادارة هذه المؤسسات. 6- التمييز الايجابي لالحاق المتأخرين عن الركب: * السودان تطور عبر مسار لم يحظَ فيه بقيادة متكاملة اذ ان معظم القيادات في الحقب المتعاقبة لم تنجح كثيرا في الخروج من أسر الكيانات والانتماءات الضيقة، قبلية و اثنية وجهوية و غيرها وبالطبع هذا ما كان وما زال يتحكم في توزيع السلطة والثروة وتوزيع فرص التمكين بانماطه المختلفة وقد تولد من ذلك الواقع الذي نعيشه اليوم. فوارق ومفارقات كبيرة بين الاقاليم وبين الفئات والكيانات المختلفة، تمزق وجداني وإجتماعي وسياسي وشعور بالغبن في حالة تنامي مستمر منه ما تم التعبير عنه باشكال مختلفة ومنه ما خفي . وهذا هو الخطر الداهم ?لذي يهدد كيان دولة السودان ومستقبله. * ايضا من اهم اوجه القصور التي صاحبت نظم الادارة في السودان غياب الاسس والمعايير العادلة في توزيع السلطة والثروة وفرص التنمية عموما وغالبا ما يتأسس توزيع الفرص والادوار على منطلقات سياسية وقبلية وجهوية واجتهادات فردية واهواء ورؤى شخصية صرفة. القريبون من مواطن النفوذ والسلطان والذين يعرفون من اين تؤكل الكتوف وكيف تؤكل هم الذين يحصلون على الفرص المتاحة مرارا وتكرارا، بغض الطرف عن المؤهلات والاستعداد للعطاء والتضحية. اما الذين لا تتاح لهم هذه الافعال اما متعففين او مقهورين اومنسيين، فهؤلاء يبقون في الرصيف و?ليهم الاختيار بين الموت كمدا او التجرد من اي تطلعات وبالتالي يحيون حياة عمياء بكماء وخرساء. في ظل الجمهورية الثانية نتوقع قادة مؤمنين بالله مؤتمرين باوامره ومجتنبين نواهيه متجردين من كل عيوب الماضي. * التمييز الايجابي ضرورة حتى ندخل الى حقبة الجمهورية الثانية متجردين من كل سلبيات الماضي وقائمين على وحدة حقيقية وقوة الانتماء وصدقه للوطن والامة. وهذا يعني عمل خريطة اجتماعية، سياسية واقتصادية شاملة للدولة تتحدد فيها مواطن القوة والضعف ومن ثم العمل الجاد والممنهج لازالة الفوارق والمفارقات وفق برنامج محكم وشفاف يفضي الى تمكين الناس جميعا افقيا ورأسيا. * لابد من العمل على إخراج الجاهل من جهله والفقير من فقره وتبصير الناس بما ينفع وما لا ينفع. وان يتمكن كل مواطن من استخدام كامل طاقاته التي حباه الله بها، في التعليم، في الوظيفة، في العمل، في الحياة الاجتماعية، في التنقل وفي غيرها. 7- البناء التراكمي للتجارب وتكامل الأدوار: لابد من الاستفادة من التجارب السابقة بأخذ الايجابيات وتقويتها وتطويرها وترك السلبيات وليس العمل على الغائها وطمسها. وهذا يعني احترام دور الآخرين والحفاظ على الموارد واستخدامها استخداما مرشدا. 8- الشفافية: من الظواهر السالبة في الممارسة السياسية عموما، الاستغفال والاستخفاف والباس الباطل ثوب الحق، وهذه من اكبر الأخطاء المنهجية التي كثيرا ما يقع فيها البعض نتاجا لإغفالهم لمبدأ الشفافية. وتكمن خطورة غياب الشفافية في انها تؤسس لغبن بعيد المدى، فما تم إخفاؤه اليوم وتمريره على حين غفلة من الناس والزمان سيظهر ويكتشف ولو بعد حين وغالبا ما يترتب على ذلك افعال غير محمودة. في ظل الجمهورية الثانية يجب تجاوز هذه الظواهر السالبة وتغليب مبدأ الشفافية على المبادىء التقليدية السالبة في الممارسة السياسية. 9- الاعتماد على قوة البرهان: ما يؤخذ به لمصلحة الناس يجب ان يقوم على قوة الدليل والبرهان وليس الوجاهة وقوة السلطان والنفوذ ايا كانت. وبالتالي لابد ان تفرد الدولة مساحة كبيرة لكل الوسائل والآليات التي تقوي الدليل والبرهان من بحوث ودراسات وغيرها. وهنا تأتي اهمية دور مؤسسات العلم والتعليم والعلماء في قيادة الدولة وتوجيهها وهذا الدور يجب ان يكون دورا اساسيا وليس ثانويا او ديكوريا. 10- المنتج هو المستفيد الأول: لابد من مراجعة وتطوير آليات تسويق السلع بانواعها المختلفة ليكون المنتج هو المستفيد الاكبر وليس الوسطاء كما هو سائد في واقع اليوم. هذا سيشجع المنتجين، يعزز الانتاج وبالتالي يقوي اقتصاد البلاد. 11- وجود كل الكائنات مفيد: يعني اتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن مكنوناتهم واعطائهم فرص تمكين عادلة. ولابد ان تكون للدولة وسائل للتعرف على اوضاع الناس اين ما وجدوا وما يواجهونه من عقبات تقلل من عطائهم وتفاعلهم مع الحياة. كذلك الاستفادة القصوى من ما حباه الله لهذه البلاد من خيرات ظاهرة وباطنة. 12- تربية النشء وفق منهج متكامل: هذا هوالركن المهم لتأمين مستقبل زاهر للامة وبالتالي لابد من ان يعكف المتخصصون والعلماء لوضع منهج متكامل وفق رؤية متكاملة للتعليم والتربية. ولابد من تأكيد اتاحة الجميع لفرص التعليم في المراحل الاساسية والثانوية وتشجيع وتسهيل الصعود الى المراحل الاعلى للطامحين. هذا ضروري في ظل النظام العالمي الجديد الذي يسعى لفرض مناهج تربوية مشوهة وتتنافر مع معتقداتنا وثقافتنا. فنجد ان معظم ابنائنا تائهين وحائرين تتجاذبهم تيارات متباينة وذلك لان معظمهم غير متشربين بمعايير ثقافية وطنية تربوية راسخة ليتحاكموا اليها. خطورة هذ? انه يؤدي الى تكوين مجتمع اللامنتمين وهذا ما يريده ربان النظام العالمي الجديد. ان ينقضي الشعور بالانتماء للامة والوطن والاسرة وسط اجيال اليوم وبالتالي سهولة توجيهم لخدمة اهداف النظام العالمي الجديد. 13- الانفتاح الواعي والممنهج: * الانفتاح على العالم من حولنا مهم ولامفر منه في ظل سياسة العولمة (عالم حر وطليق) وحتى يكون انفتاحا مفيدا ورشيدا، لابد ان ينبني على قواعد واسس راسخة نحدد فيها بوضوح ماذا نريد من العالم وماذا يريد منا العالم وكيف يتم ذلك بما يضمن تحقيق مصالحنا واهدافنا الاستراتيجية. وبالله التوفيق * وزارة الصحة الاتحادية